شعار قسم مدونات

بين استيراد الغرب وتصدير الشرق حمولة فكرية

blogs - ship
لعل الجين الذي حمل اللون السائد لهويتنا الفكرية في العالم العربي بات يتعرض لحالة من الإنعاش والتعديل الوراثي منذ اندلاع الأزمات السياسية والاقتصادية والانخراط بثقافات الشعوب الأخرى ولاشك أن التفاعل بين البلدان مطلب حيوي وتنموي في كافة المضامين الاجتماعية.

ترى لمَ يبد بعض النقاد مخاوفهم باعتبار التفاعل الحضاري بين الشعوب هو مجرد تواطؤ ثقافي؟ إلى أي مدى سيبقى المؤرخ يحصر مجلداته بنسب الحضارة لشعب دون غيره؟

 

باعتبار أن جميع الإنجازات التي سطرتها العبقرية الإنسانية انتهجت منحى تكاملي كان لابد من تحفيز فكرة التقارب بين الشعوب فكرياً وعلمياً ودينياً وفي ظل الأزمات التي شهدتها الدول العربية بما فيها سوريا انعكست وتيرة اللجوء من عبيء اجتماعي إلى مسار تنموي وكانت جسر أساسي لعبور ثقافة البيئة الشامية بما فيها من الفلكور الشعبي والأطعمة والتحصيل الأكاديمي لمجتمعات لم تعرف عن العرب سوى ما يدليه إعلامها ولم تتطلع على أراء المستشرقين.
 

ما يصنع النهضة الفكرية ليست قومية معينة بل إيجاد نقطة التقاء مع الآخر، فمهما تعددت الأغصان جذرها واحد و ثمرها وحدة قياس التقارب الإنساني بين الشعوب والأمم

باعتبار أن انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت نقطة انطلاق العرب الى ألمانيا بهدف التحصيل العلمي كان لابد من وجود آثار لبصمات عربية لا تنهل بمقدار ما تعطي كأدباء عراقيين وسوريين ساهموا بإحياء حركة الترجمة وتنمية المسار الأدبي من المحلية إلى العالمية، لا أعتقد أنها ظاهرة غريبة على الجيل الجديد فاحتراف النحاتة السورية ديانا ساهم باعمار شوارع نيويورك وترشح بعض جوائز الأفلام الأمريكية لأوسكار ساهمت به ممثلة مصرية.

هل بإمكان أحدهم إنكار دور عالم الفيزياء المصري محمد نشائي من خلال تطوير نظريات القوى بألمانيا؟ ماذا عن شادية حبال السورية أستاذة بعلم الفضاء بجامعات بريطانية! فمن صالح الدول الغربية أن تستقطب الفرد العربي ضمن بعض التمويهات لتحجيم القوانين المتعلقة بمنح حق اللجوء وجواز السفر الدول التي اعتمد سكانها على المسار الصناعي والدول الكهلة.
 

ولعل القضية التي التهمتها الفجوة الحضارية بين البلدان باتت أوسع من مجرد انتماء لدولة معينة ربما لم تخلق مناخ إبداعي لمحيط ابنائها، انطلقت جولة التنمية لنثبت للعالم أن اللاجيء عنصر فعال إذا توافرت المقومات الأكثر فعالية.
 

لم تكن هيلين كيلر مخطأة بقولها الأبواب المؤصدة تخلق من الإنسان إنسان غير عادي، الصحف الألمانية التي ضجت بالفتاة السورية الحاصلة على معدل تام بالثانوية العامة لم تكف حملتها الإعلامية عن إمبراطور القراءة ذو السبع سنوات الذي أتقن اللغة الألمانية في 8 أشهر.

أما عن الفتاوى التي صدرت بحق عدم الذهاب لبلاد الغرب بحجة الحفاظ على الدين فأعتقد أنها غير مفحمة تجسيداً لمقولة من سمع ليس كمن رأى وكم من طلاب جامعات أسلم على يدهم عائلات ومدن؟ لمجرد أخلاقيات لم تنقلها الصورة الإعلامية للمجمتع الغربي بل نقلتها الصور الواقعية.
 

بينما العالم العربي غارق بسفك الدماء بين هابيل وقابيل تبدأ مرحلة نفاد الذخيرة والوقود الفكري من خلال تسريبها لمحطات الغرب، فمن سيحظى بوسام نتاجهم، الدول التي سقت قدراتهم أم الدول التي بذرتها؟!
 

أنا أؤمن أن العقل البشري عجينة كلما استثمرته الظروف صنع شكلا مناسبا، الوطنية لا تعني أن تعيش تحت سقف زنك، ففي داخل كل منا وطن يحمله كلما حملته الظروف يتحول إلى أمة.

ما يصنع النهضة الفكرية ليست قومية معينة أو طائفة أو مذهب ديني أو حتى انتماء سياسي، بل إيجاد نقطة التقاء مع الآخر، فمهما تعددت الأغصان جذرها واحد و ثمرها وحدة قياس التقارب الإنساني بين الشعوب والأمم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.