شعار قسم مدونات

إن الرجال إذا دخلوا قلباً أهدروه

blogs - love
هنيئاً لك الجنّة أَيُّهَا العم "مارتن كوبر" والتي أظنك لن تدخلها بأعمالك، بقدر ما ستدخلها بحسنات نصف نساء العالم، واللاتي دعون عليك كثيراً، فأنتَ صاحب خطيئة الهاتف النقّال، والذي أصبح قنبلة موقوتة لا تخلو حقيبة امرأةٍ منها، ليتني أعلم بخطيئة من قرّرت أن تعاقبنا كل هذا العقاب، وكم أوجعتك تلك الجميلة لتجعل نصف نساء العالم ساهرات، والأخريات ينتظرنّ خلفَ نافذة، حقّاً أَيُّهَا العم "وراء كل رجل عظيم امرأة".

 

جميعنا حمقى أمام الحُب، فالرجال إذا دخلوا قلباً أهدروه، والنساء إذا دخلن قلباً أغدقوه.

"هي" الثانية بعدَ منعطف الليل، والخائبة عِنْدَ تمام اللهفة، والواقفة مساءً عِنْدَ منتصف النافذة، و"هو" الغائب الذائب عِنْدَ الثانية، أو حتى الثالثة بعدَها، بالكاد يكادُ الهاتفُ أن ينزل من يدها، إذا ما أرغمه طارئ على هبوط اضطراري، على سطح سريرٍ مُكمّش لكثرة تَقَلُّب تلك الساهرة فَوْقَ تعريقاته الهشّة المتشابكة، أو على إحدى رفوف المسائيات القديمة،  بالكاد ينزل من يدها وتظل قابضةً على وميضه بأهداب عيونها، كمن يقبض على قلبه بجمرة، فهي تخشى لسوء طالعٍ أن يضيء الهاتف وهي ليست بجواره، كأمٍ تشتهي أن توثّق أول صرخات طفلها وهو رابت على صدرها، أو كراهبةٍ تخشى أن تفوتها لحظة اكتمال وجه المُخلّص في السماء..

جميعنا حمقى أمام الحبّ، ليتك تعلم كم دالية نورٍ كانت تتعرّبش على روحي كلما رأيته يضيء، تلك التفاصيل الصغرى هي كبرى كبائر الحب، صدّقني أو لا تصدّقني -لا بل عليك أن تصدّقني- إن الرجال إذا دخلوا قلباً أهدروه، وإن النساء إذا دخلنّ قلباً حبّاً أغدقوه.

كانت تصرخ على مرأى من هاتفٍ لا يصرخ، في الوقت الذي كان هو يصرخ على مسمع امرأةٍ تحتَ سمّاعة الهاتف، تصرخ وتصرخ وتصرخ…، ما أقسى يا صديقي أن نصبح مجرّد رقمٍ في ذاكرة هاتف، تقلّبه وتقبّله، ويقلّبها ويقبّلها، ويبقرها، تقترب منه وتقرّبه منها، تهزّه ويهزّها وتهتزّ به، ويهزأ بها هازّاً رأسه: "الخدمة متاحة.. ولكنّي لن أضيء".
 

ليتني أحببتك زمن الحمام الزاجل، كي ألتمس لبريدك المتأخر عذراً وأقول: لعل الحمامة لقّمتْ به أفواه صغارها الجوعى، فلا شيء يشبعُ الإناث جوعاً أكثر من كلام الرجال.

تسعون رسالة في صندوق هاتفها أو أكثر بقليل، جميعها منه باستثناء واحدة، هي من مزوّد الخدمة، طرقت باب بريدها قبل أسبوعين تقريباً، لتخبرها بأن رقم هاتفه قد أصبح "مُتاحاً"، بالرغم من أن العاملين في شركة الاتصالات لا يعرفونها، إلاّ أنهم كانوا صادقين جداً معها، فلم يخبروها بأن الرقم "متاحاً لها".. تَقَلُّب صندوق الوارد كعروسٍ ترمّلت عشيّة زفافها، تخبو أمام صندوق عرسها مُقلّبةً فساتين نومها، أبيضها وأسودها وأرجوانيّها..، مع كل حرف كانت تقرأه أو يقرأها، كانت عدسة الدمع في عينيها تلتقط من متحف الذاكرة صورةً ثنائيّة التقطتهما معاً، أو أحلاماً متحرّكة حمّضتها من زيت بكائها، فجميع جثث الكلمات المُمدّدة في هاتفها الأنيق هي ليست إلاّ شريط صور، "هذه الرسائل الواردة، ليست إلاّ أحلامنا الذاهبة ".
 

ليتني أحببتُك زمنَ الحمَام الزاجل، كي ألتمس لبريدك المُتأخّر عُذراً وأقول: لعلّ الحمامة التقتْ بشريك حُلمها وصنعتْ من بريدك المُتأخّر عشّاً لهما، أو ربّما ألقتْ به على نافذة أربعينيّةٍ منذُ عشرين عاماً، وهي تشتمُ قميص رجلٍ خرج إلى الحرب، لا بَلْ ربّما لقّمتْ به أفواه صغارها الجوعى، فلا شيء يشبعُ الإناث جوعاً أكثر من كلام الرجال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.