شعار قسم مدونات

07 أكتوبر والمشهد السياسي.. أية دلالات؟

blogs - morocco
بعد مرور أزيد من أسبوع عن يوم الاقتراع للسابع من أكتوبر 2016 بالمغرب، وضعت انتخابات تجديد أعضاء مجلس النواب أوزارها، وتصدر حزب العدالة والتنمية نتائجها فيما تقهقرت بعض الأحزاب التاريخية مقارنة مع نتائجها في تشريعيات نوفمبر 2011، في مشهد شكل مفاجأة لدى بعض المتتبعين للمشهد السياسي، سيما بعد قيادة العدالة والتنمية للتجربة الحكومية خلال الخمس سنوات الماضية، وكل التنبؤات التي كانت تنشر حينها أشارت إلى تراجع شعبية العدالة والتنمية والتكهن بالصدارة لأحزاب أخرى، من بينها الأحزاب التاريخية وبعض أحزاب الإدارة.

شعبية العدالة والتنمية أساسها صدق ووضوح الخطاب السياسي، بشكل لم يعهده الشعب من قبل

 

– الدلالة الدستورية : احترام المنهجية الدستورية
بإجراء الانتخابات، وتعيين الملك محمد السادس عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي حصل على أغلبية مقاعد مجلس النواب، رئيسا للحكومة وتكليفه بتشكيل أعضاء حكومته يكون المغرب قد أجرى تمرينا ديمقراطيا ودستوريا هو الثاني من نوعه في ظل دستور 2011، الذي ينص فصله 11 على الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديموقراطي، وكذا فصله 47 على تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات، وتشكل هذه الدلالة الدستورية مدى احترام المؤسسة الملكية للدستور وإعطاء النموذج الراسخ في الديموقراطية واحترام المنهجية القانونية والدستورية.

إن انتخابات السابع من أكتوبر تعتبر هي ثان انتخابات تشريعية تجري في ظل دستور 2011، وهي بنتائجها وتبعاتها تكون قد رسخت لمنهجية دستورية واحترام تام للوثيقة الأسمى في البلاد.

– دلالات سياسية : المشهد الحزبي بعد انتخابات 2016 وموقع العدالة والتنمية من ذلك
في الوقت الذي كان يتوقع فيه البعض عجز رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، عن الصمود وتقديم استقالته خلال الولاية السابقة لترؤسه الحكومة، واصل رفقة أعضاء حكومته رغم انسحاب حزب الاستقلال، ووضع العصى في عجلة الحكومة، طيلة مدة تدبير حزب المصباح للشأن العام على رأس الحكومة، وهو الإنجاز الأبرز الذي يحسب لحكومة المغرب الأولى بعد الربيع الديموقراطي ألا وهو الصمود، واستكمال ولاية كاملة كحكومة تحسب على الإسلاميين في العالم العربي ما بعد حراك فبراير 2011.

مضت خمس سنوات، والكثير توقع خفوت شعبية الحزب الذي يقود الحكومة الأولى التي جاءت بعد دستور 2011 إلا أن ما حصل عكس ذلك، حيث حافظ حزب المصباح على شعبيته، بل امتدت هذه الأخيرة وتطور عدد الأصوات التي حصل عليها ما بين الانتخابات البرلمانية والانتخابات الجماعية والجهوية التي عرفها المغرب في سبتمبر2015 وبهذا يكون حزب العدالة والتنمية قد قدم استثناءً في تاريخ الأحزاب السياسية المتصدرة للمشهد بالمغرب منذ فجر الاستقلال.

اليوم وقد أسدل الستار عن الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر 2016 وهي ثان انتخابات تشريعية يعيشها المغرب في ظل دستور 2011 حيث تصدر فيها حزب العدالة والتنمية المشهد من جديد محطما رقما قياسيا في عدد النواب للمرة الثانية في تاريخ المغرب، بعد تحطيمه رقما آخر في انتخابات 25 نوفمبر 2011 وذلك بحصوله على 125 مقعدا برلمانيا. 98 منها في الدوائر المحلية و27 في الدائرة الوطنية.

– دلالات سوسيولوجية: تطور الوعي السياسي لدى المواطنين
– شَعبية قابلة للتوسع
عرفت شعبية حزب العدالة والتنمية منذ ترؤسه للحكومة تزايدا ملحوظا، عكس المتعاهد عليه في معظم الحكومات بكون الأحزاب التي تترأسها، ما إن تكاد تكمل ولايتها حتى يكون رصيد شعبية الحزب الحاكم قد انتهى، إلا أن حزب العدالة والتنمية، كلما أشرفت ولايته على رأس الحكومة على الانتهاء كلما زادت شعبيته، بالرغم من القرارات التي كانت صعبة حينها.

وبالعودة إلى الأرقام نجدها تعبر عن هذا التوسع في الشعبية، فحزب العدالة والتنمية حصل على 1.80.000 صوت في تشريعيات 2011، أما في الانتخابات الجماعية والجهوية أي بعد مرور أربع سنوات من ترؤسه الحكومة وهي السنوات التي مرت فيها أشد وأصعب أنواع الإصلاحات، حصل ذات الحزب على حوالي 1.670.000 صوت الأمر الذي مكنه من مضاعفة عدد مستشاريه في الجماعات الترابية وترؤسه جهتين وعمادة المدن الكبرى بالمغرب، ونفس الشيء حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة حيث زاد الحزب من عدد الأصوات المحصل عليها والتي مكنته طبعاً من زيادة عدد المقاعد البرلمانية لينتقل من 107 إلى 125 مقعدا، ولولا توسع شعبية الحزب، وحصوله على ثقة المواطنين لما ضَاعف عدد الأصوات وعدد المقاعد البرلمانية وعدد مُسْتشاريه الجهويين والجماعيين.

هذه الشعبية أساسها الصدق والوُضُوح في الخطاب السياسي لهذا المكون السياسي بالمغرب، بشكل لم يعهده الشعب من قبل، حيث كلما قرر أن يباشر أي إصلاح يخرج رئيس الحكومة ليصارح الشعب بطبيعة الإجراء تقنيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذه الصيغة لم يشهد المواطنون مثله عبر تعاقب الحكومات السابقة. بهذا يساهم حزب العدالة والتنمية في صناعة الاستثناء كحزب يترأس الحكومة وشعبيته تزداد ثم يعود إلى الناخبين بعد خمس سنوات لينجح في الاختبار ديموقراطيا.

– تفويض شعبي لمواصلة الإصلاح
خلال الولاية السابقة أقدمت الحكومة على إصلاحات هيكلية وبنيوية همت مجالات حيوية وعلى رأسها الاقتصاد، وكان عبد الإله بن كيران يرفع شعار الوطن أولا والحزب ثانيا، وهذا ما كان يفسره بكونه مستعدا لتحمل ضريبة الإصلاح على مستوى شعبية الحزب، فإن تم الإصلاح وتضررت شعبية الحزب فلا بأس، ومضى في سلسلة الإصلاحات تلك، وعاد إلى الشعب في الاقتراع الذي جرى يوم 07 أكتوبر وتصدر الانتخابات التي رفع الحزب فيها شعار «صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح» والمشهد السياسي من جديد، وهذا ما يمكن تفسيره بالتفويض الشعبي لمواصلة الإصلاح.

بن كيران أول رئيس حكومة مغربي منتخب لولايتين متتاليتين، وحزب العدالة والتنمية أول حزب سياسي مغربي يحطم الرقم المعتاد في عدد النواب البرلمانيين لمرتين متتاليتين.

هذا التفويض راسخ من أن الشعب يعي جيداً طبيعة الإصلاحات التي قامت بها حكومة بن كيران، ويكرس ثقة المواطنين في حزب العدالة والتنمية التي تعتز من وقت لآخر، حتى أن عددا من المواطنين والمواطنات رفعوا شعار «الشعب يريد ولاية ثانية» في المهرجانات الخطابية التي يؤطرها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران بشكل تلقائي.

إن امتداد شعبية حزب العدالة والتنمية وتفويض الشعب له لمواصلة الإصلاح يعكس مدى الوعي السياسي الذي يتمتع به الشعب المغربي، هذا الوعي الذي دحض كل ما تعرض له الحزب خلال الولاية الفارطة من حملات إعلامية وهجومات متوالية، سواء تعلق الأمر به كتنظيم بمرجعيته وأهدافه ومشروعه المجتمعي، أو كحزب يقود الحكومة بالقرارات التي تتخذها، وبالرغم من كل ذلك بوأه الصدارة.

واليوم بتعيين عبد الإله بن كيران الأمين العام للحزب رئيسا للحكومة، يكون قد ظفر بفرصة أخرى لمواصلة سلسلة الإصلاحات التي شرع فيها خلال الولاية السابقة، بثقة ملكية وثقة شعبية والتي تعتبر بمثابة تفويض شعبي وثقة ملكية، ومن خلال هذا المسار يكون حزب المصباح وأمينه العام قد شكلوا الاستثناء إقليميا ووطنيا، حيث يكون بن كيران أول رئيس حكومة مغربي منتخب لولايتين متتاليتين، ويكون حزب العدالة والتنمية أول حزب سياسي مغربي يحطم الرقم المعتاد في عدد النواب البرلمانيين لمرتين متتاليتين.

إذا هو تصدر وثقة مستحقة من قبل الملك والشعب، وفي الوقت ذاته مسؤولية كبرى تلقى على عاتق الرجل الثاني في هرم الدولة المغربية، وعلى عاتق التحالف الحكومي الذي سيُكشف عنه النقاب الأيام القليلة المقبلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.