شعار قسم مدونات

هل يفشل الإسلاميون دائمًا؟

blogs - muslim
هل صدقت نبوءة فشل الإسلاميين التي أطلقت منذ أكثر من عشرين عامًا؟ حينها تحدَّى أولييفيه روا الصورة السائدة في الغرب عن الخطر الوشيك للإسلام السياسي، وبشَّرهم بفقدانه لحيويته الفكرية والعقائدية وتراجعه، وبعجزه عن أن "يوحَّد العالم الإسلامي" أو "يغير موازين القوى في الشرق الأوسط". فالإسلاميون، من وجهة نظرِهِ، فشلوا في تقديم النموذج البديل لاقتصاد وسياسة وثقافة الغرب. ولا فرق جوهري بينهم وبين النظم السلطوية التي عارضوها، هم فقط حصدوا ثمرة إخفاقاتها السياسية والاقتصادية.

كانت جماعة الإخوان المسلمين أكبر قوة منظَّمة في مصر مع العام 1949، ولم يمنع هذا من أن يُقتل قائدها ومؤسسها، ويعتقل قبلها الآلاف من أعضائها.

رفض باحثون غربيون حينها هذه الفكرة، ولاحظوا غياب المعطيات والوقائع التي تدعمها، ثم أتت أحداث 11 سبتمبر، وظهرت القاعدة لتحاصر طرح أولييفيه بمزيدٍ من الشكوك. رفض إسلاميون وبعض خصومهم من العلمانيين أيضا هذا الطرح. فمن وجهة نظر العلمانيين: الإسلاميون، بتياراتهم المختلفة، خطر قائم ودائم، وينذرون باستبدادٍ أثقل يتقوَّى بالدين في مجتمعاتٍ متديَّنة، و"بخلافةٍ عابرةٍ للحدود". وقد يرد الإسلاميون على فكرة الفشل هذه: متى تركنا لحالنا نحكم حتَّى يُحكم علينا بالفشل أو النجاح؟ ومن نجح من غيرنا أصلًا حتى يقاس عليه فشلنا؟

لكن بعيدًا من أيِّ نقدٍ للأطروحة أو لدوافعها، سيجد الإسلاميون صعوبة في الرِّد على الدعوى التالية: لم يحقق الإسلام السياسي منذ تأسيس أول حركة إسلامية حديثة قبل مائة عامٍ تقريبًا نجاحًا هامًّا ودائمًا، والدليل: أقدم وأكبر حركة إسلامية معاصرة في أكبر بلدٍ عربيٍّ، الإخوان المسلمين في مصر، تواجه الآن قمعا وتهميشا وانقساما، غير مسبوقٍ منذ تأسيسها. 

زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، في مقالٍ له بعد أشهر قليلة من الانقلاب في مصر، اعتبر أن الادعاء بـ"فشل الإسلام السياسي" سببه عادة لبعض الخبراء الغربيين، حيث "يؤذَّنُون" به كلما "تعرض إسلاميون هنا أو هناك لنكسة أو حتى لمجرد تراجع في انتخابات ولو كان طفيفا". ثم أحصى نجاحاتٍ للإسلاميين تتعلَّق بـ"الإرث النضالي" و"التعاطف الشعبي مع مظلوميتهم"، وأكد أن الإسلام بمفهومه "الشامل" الذي يتبناه الإسلام السياسي هو "أكثر الديانات والمناهج الحياتية الأيديولوجية سرعة انتشار وتمدد واستقطاب للعقول والإرادات". مع ذلك، لم يشر الغنوشي في مقاله لتجربة سياسيَّةٍ ناجحة للإسلاميين خارج نطاق المعارَضةَ والمقاومة التي لا تنتهي للنظم السلطوية والنجاح في استقطاب "العقول والإرادات". ولا يمكنه الآن على الأرجح أن "يؤذَّن" في الناسِ بانتماء حركته ونسبتها إلى الإسلام السياسي، خاصَّةً بعد مؤتمر حركة النهضة العاشر، حيث ثارت الأسئلة بعده عمَّا إذا كانت الحركة قد "تعلمنت".

في مصر وسورية والجزائر وتونس والأردن ودولٍ خليجيَّةٍ يخسر دائمًا الإسلاميون معاركهم السياسيَّة والعسكرية. والسيناريو غالبًا كالآتي: صعود اجتماعي وثقافي، ثم صعود سياسي يتجلى في صناديق الانتخابات أو الشارع، ثم المواجهة العنيفة الشاملة أو الضغوط الأمنية والسياسيَّة المستمرَّة، التي تفضي في النهاية إلى آلاف المعتقلين والقتلى من الإسلاميين وبقاء جيوب "معتدلة" منهم "تتعايش" مع الوضع القائم" وأخرى "عنيفة" تَسْتنزف وتُستنزف. إلى أن يعيدوا تجميع صفوفهم ونشاطهم من جديدٍ لتدورِ الدائرة من جديد.

مصر: كانت الإخوان المسلمين "أكبر قوة منظَّمة في البلاد" مع العام 1949، ولم يمنع هذا من أن يقتل قائدها ومؤسسها ويعتقل قبلها الآلاف من أعضائها. حاصروا قصر عابدين بمن فيه من "قادة الثورة" في 1954، فبدأت سنوات القمع مع عبد الناصر. أصبحوا أكبر كتلة معارضة في 1987، فحل البرلمان. أصبحوا كذلك أيضًا في 2005، فبدأت سلسلة المحاكمات العسكرية والمصادرات التي أعقبت قضية "مليشيات الأزهر" بعدها بعام. فازوا في انتخابات الرئاسة في 2012 فوقعت "أكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث".

الجزائر: كسبت جبهة الإنقاذ في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في 1991، فسبق الانقلاب الجولة الثانية من الانتخابات، ومعه حرب أهلية طويلة.

سورية: شارك الإخوان في العمل السياسي في سورية منذ منتصف الخمسينات، وكان لهم نواب في البرلمان، وشاركوا في الحكومة حتى العام 1963. فصدر قرار بحظرها في العام 1964. وبدأت قصة العمل المسلح التي انتهت بمذبحة حماة 1982.

في تونس: بعد الأداء القوي للنهضة في انتخابات 1989، بدأ الاصطدام العنيف مع السلطة في 1990. فخرج قائدها الغنوشي من البلاد، ولم يعد إلا بعد عشرين عامًا تقريبًا، واعتقل الآلاف وقتل العشرات.

في المغرب، أول من سيخبرك بأن حزب العدالة والتنمية لا يحكم، هو عبد الإله بن كيران نفسه، الأمين العام للحزب، ورئيس الوزراء.

ومن السهل إيراد أمثلة أخرى على هذه الدائرة من الهزائم في هذه الدول نفسها أو في دولٍ عربيَّةٍ وإسلاميَّةٍ غيرها، وهي دائرة لا تستثني الحركات الإسلاميّة السلمية أو العنيفة. فسواء استخدم الإسلاميون استراتيجيات التغيير من "أسفل" أو من "أعلى"، لا يظهر وكأنه يؤثر كثيرًا في نتائج معاركهم. تبيَّن للبعض أن مشروع الحركة الإسلامية لـ "أسلمة" المجتمع من أسفل، هش ويشبه "الحرث في الماء". فما دامت أدوات القوة مستقرَّة في أيدي خصومهم (من قوة عسكرية واستخبارات وأمن)، فكل قلاعهم هي من الرمال، يمكن في شهورٍ قليلة هدم جهود سنواتٍ عديدةٍ. كما أن لجوؤهم إلى السلاح، يؤول إلى حروبٍ أهليّة أو تدخلٍ أجنبيٍّ مباشر. لتنتهي المعركة بهزيمتهم.

ولكن ماذا عن تجارب تونس ما بعد الربيع، وتركيا أردوغان، ومغرب بنكيران؟
في تونس، يشكك الكثيرون في قابلية الوضع الراهن للاستمرار. ماذا سيحدث إذا زحفت النهضة من جديدٍ إلى السلطة عبر الانتخابات المحلية ثم النيابية؟ هل يمكن تصور دوام حال النهضة على ما هو عليه: لا هي معارضة ولا هي سلطة؟ وإلى أيِّ حدٍّ ستتعايش النخبة الحاكمة الحالية مع معارضةٍ تقودها النهضة؟ ما احتمالات انقسام النهضة، مع توجهاتها الجديدة، أو تصاعد نفوذ الحركات الإسلامية "الراديكالية" فيها؟

في المغرب أوَّل من سيخبرك بأنَّ العدالة والتنمية لا يحكم، هو عبد الإله بنكيران نفسه، الأمين العام للحزب، ورئيس الوزراء. صرَّحَ بوضوح في إحدى المقابلات بأن "الملك رئيسي وأنا جئت لأساعد فقط". وصفه بعض منتقديه بأنَّه أوَّل رئيس وزراء "معارض"! ينتقد الدولة وأجهزتها كأنَّه متحدث باسم حزبٍ في المعارضة وليس كرئيس السلطة التنفيذية بحسب الدستور المعدل في 2011. البعض سيجادل بأن المشاركة بقدرٍ محدودٍ أفضل من لا شيء، أو من الإقصاء. لكن السؤال: كيف ستتطوَّر هذه المشاركة؟ إلى الآن يصعب الحصول على إجابةٍ واضحةٍ.

وفي تركيا، من بمقدوره أن يعد العدالة والتنمية حزبًا إسلاميًّا؟ الحزب بدأ كتحالفٍ بين قوميين وإسلاميين وليبراليين. ويعلن صراحَةً تبنيه للعلمانية، وإن بدا كفاحه من أجل إعادة تعريفها لأقرب مفهوم يتسامح مع دين وثقافة مجتمعٍ غالبيته من المسلمين. وحتى، والحال هذه، فهي تجربة لا تبدو بدورها بلا تحدياتٍ أو تهديداتٍ، كان آخرها محاولة انقلاب في يوليو الماضي.

ماذا عن تجارب السودان وإيران وأفغانستان؟ التجارب التي استطاع فيها "إسلاميون" فعلًا، أو من وصفوا بأنهم كذلك، الوصول إلى السلطة ولفتراتٍ طويلة؟ أين الخلل؟ لماذا عجز الإسلاميون عن تقديم تجرُبةٍ سياسية قابلةٍ للاستمرار وللمحاكاة والاقتداء؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.