شعار قسم مدونات

فجوة في التاريخ

آثار تاريخية

تخلصنا من حقبة زمنية ثقيلة حينما ثرنا، صرخنا في وجه الشيطان واحترقنا رافضين واقعنا اللعين.
ثم غفلنا عن الوطن فسرق منا. فإما أن نستعيده..أو نتوه في العدم عبثا بلا سماء تحتضننا و لا أرض نحتضنها.

الوطن العربي المقسم المهدم.. أين شردنا و تشتت صياحتنا مخترقة جدار الصوت و جدار الوقت و عبثية الأقاليم الجغرافية التي تحتوينا و لا نحتويها…

تلك الرقعة اليتيمة هي كل ما تبقى لنا ، إذ أنه حان الوقت لندرك أن اجترار أمجادنا التاريخية لن ينقذنا من ثقب أسود صهيو-أمريكي يتربص بنا ليبتلعنا إلى مالا نهاية.

في نظرة مثالية إستشرافية لواقع بعيد، سأقول أن الحل يكمن في اتحاد العرب يدا واحدة تهز كل أخطائنا السابقة و تنفض عنا أغبرة الخيانة. إلا أنني حينها سأكون متفائلة إلى حد السذاجة فغبي من يعتقد أن الخطر المتربص بالعرب على اختلاف طوائفهم ولهجاتهم وخصائصهم هو خطر خارجي.

فالعدو الخارجي كما علمنا التاريخ في حاجة لمساندة داخلية ، تسهل له لستغلال عنصر ثرائنا -أي الاختلاف- لصالحه و بالتالي ضد حلم الوحدة البعيد البعيد جدا.

وهكذا فإن الحل يكمن في لستئصال الورم الخبيث أولا، في استئصال كل خائن بائع مطبع سرا و جهرا، كخطوة أولى في درب صعب و طويل .. لنبدأ بتحرير كل عقل عربي.  كل ثورة ، كل ثروة  كل تشريع كل قلم  كل ساعد ، كل قطر عربي  وصولا .. إلى فلسطين.

إن العربي في القرن الواحد و العشرين ، مرهق حد الإختناق ، مثقل بخطايا قرون ، محمل بأوجاع مضاعفة ، و تحت وطأة هذا الإرهاق الساحق ، يفقد قدرته على المقاومة، و يصبح كتلة من الأفكار المبعثرة بعيد عن جذوره عمدا ظله طويل و يده قصيرة.

 لنخص بالذكر فئة الشباب لا ندري من نحن، أي ريح رمت بنا هنا نجهل ماضينا نتجاهل حاضرنا، ويخيم ضباب كثيف وصمت ثقيل حول مستقبلنا. وكأنما العالم طريق سريع  تمر فيه السيارات بسرعة جنونية، ونقبع نحن في المنتصف تقتلنا الحيرة.

كانت نظرة شباب السبعينات لأبناء هذا القرن نظرة تفاؤل، كانوا يظنون أن الأجيال القادمة ستكون محظوظة جدا مثقفة جدا سعيدة جدا.والواقع أننا جيل جبان جدا، متخاذل جدا متعب جدا. إنني أتأرجح بين مثالية التصور و سوداوية الواقع ، تباين بشع فعلا. أوصيكم خيرا بأوطانكم ، بأنفسكم.

العدو الخارجي كما علمنا التاريخ في حاجة لمساندة داخلية  تسهل له لستغلال عنصر ثرائنا -أي الاختلاف- لصالحه و بالتالي ضد حلم الوحدة البعيد البعيد جدا.

فبعد ست سنوات عجاف منذ إنطلاق "الربيع العربي ، حان الوقت لنلملم شتات أنفسنا و ننهض من تحت الركام ، ننفض عنا الخونة و المتآمرين.إن الكلام النظري سهل، والواقع يطرح تحديات و عراقيل ، لا يمكن تجاوزها إلا بإرادة سياسية حديدية أولا ، ثم بتحيين المفاهيم و ملائمتها مع واقع متغير.

في هذا السياق يقول إميل حبيبي " إن الدعوة إلى تعليق الآمال بالمستعمرين و الإمبرياليين ، الدعوة إلى تعليق الأمل بأقطاب عربية رجعية ، تقود دائما إلى خيبة الأمل ، إلى أن يفقد الشعب ثقته بنفسه."
مربط الفرس أننا واقع يحكمه المال وأوطان تحكمها مافيات رجال الأعمال، وأخرى يصبح فيها البوليس قديسا، و أخرى تنهشها الحرب ، الحل من الداخل ، الحل بيد الشباب.

لا بيد العسكر ولا الشيوخ ، الحل من الداخل فالتركيبة الفتية لهذه المجتمعات تحتم منطقيا أن يكون الشباب هم الأجدر بالقيادة، وحين أقول شبابا لا أعني شبابا يختارهم صندوق النقد الدولي ولا شبابا يورث لهم الحكم توريثا.

أعني شبابا من خير ماتقدمه الجامعات، أعني شبابا يناضلون بالفكر والساعد، أعني شباب الثوارات الذين تأكلهم السجون وعتبات المحاكم ، أعني المعطلين عن العمل وعن الحياة. نشترك في نفس الآلم من المحيط إلى الخليج ، تنبض بعروقنا دماء العرب والفرس  الروم و الأفارقة مختلطة.

لقد بليت هذه الأمة بمتخاذلين قادوها من خيبة أمل إلى خيبة أمل. وليس لنا من سبيل إلى النجاة إلى المضي في تحقيق هذا الحلم بكل ما أوتينا من عزم.
"فتجمع أيها اللحم العربي في واحد
تجمع و إجمع الساعد
ثم إقرأ صورة العائد
و صب الفجر
على عمر حرقناه ..
لساعة نصر !".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.