شعار قسم مدونات

تهامة اليمن.. جريمة الموت البطيء

blogs-اليمن

إذا ركزنا الرؤية على منطقة تهامة اليمن كجزء يصلح تعميم وضعه الإنساني والاقتصادي والأمني على سائر المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في اليمن، لتبين لنا وبوضوح حجم ما ينتظر تهامة وعموم اليمن من بؤس وشقاء؛ إذا ما استمرت هذه العصابة في تسلطها على رقاب المستضعفين، وسنعرض لهذا الموضوع من خلال العناوين التالية :
 

تهامة.. مأساة متعددة الوجوه
تداول نشطاء على شبكات التواصل صور تعبر عن ما أحدثه الجوع من أخاديد في أجساد مئات من الفقراء والمعوزين في كثير من قرى تهامة، هذا التصحر والجفاف الذي أصاب أجسادهم والتصاق البطون بالظهور نتيجة لانعدام الغذاء والماء فضلًا عن الدواء، ليس إلا الوجه غير الكامل لمأساة الجوع التي انتشرت كالوباء بين أبناء التهايم بعد انقلاب جماعة الحوثي وتقويض مظاهر الحياة هناك.
 

ومن وجوه المأساة "المرض" وهو الخلاص الذي يتشوّق إليه من لم يجد دواءً فأصبح لا يقوى على مصارعة الجوع وألم المرض وحرارة الأرض

الكهرباء وانعدامها ليست بأقل سوء على أجسادهم من الجوع، بل هو وجه آخر للمأساة أطل برأسه البائس على تهامة اليمن أيضا، وقد سُميت "تهامة "لشدة حرها وركود ريحها، واجتماع الحر الشديد مع انعدام الكهرباء كان سببًا آخر لحضور الموت وانتزاع أرواح أنهك أجسادها ما عانته من سَموم الحر وشدة الجوع وبطش المجرمين.
 

ومن وجوه المأساة "المرض" وهو الخلاص الذي يتشوّق إليه من لم يجد دواءً فأصبح لا يقوى على مصارعة الجوع وألم المرض وحرارة الأرض، فافتح لخيالك العنان لترى صور المرضى من النساء والأطفال ومن يعانون من أمراض مزمنة منطرحون على أبواب المستشفيات وأمام العيادات التي لا تستطيع أن تخفف عنهم تلك الآلام فضلا عن علاجها.
 

تهامة.. أسباب المأساة
لم تكن هذه المأساة نتيجة انقلاب جماعة الحوثي المشئوم فقط؛ بل هي نتيجة عقود من التهميش والإهمال وسياسة منع التنمية التي اتبعها نظام صالح خلال العقود الماضية، فبرغم أهميتها الجغرافية وما تتمتع به من موارد كبيرة وفضلها على سائر أقاليم اليمن؛ إذ إن مينائها فقط يُدر المليارات ويُعد من أهم موارد الدولة، إلا أنه كان جزائها العزل المقصود عن مشاريع التنمية والتطوير.
 

ولا شك أن لجماعة الحوثي وصالح اليد الطولى والأثر المباشر في هذه المأساة، وسنحاول هنا تفصيل بعضاً من هذه الحقيقة في النقاط التالية:
 

تهامة.. مفتاح اليمن الذهبي:
تُعد تهامة من الناحية الجغرافية والتاريخية منطقة إستراتيجية على شريط البحر الأحمر؛ وهذا يشكل أهمية بالغة لأي نظام أو جماعة تسعى لبسط سيطرتها على اليمن، ولهذا كانت تهامة مسرحا سياسيا وعسكريا واقتصاديا حيويا لكل الدول التي عبرت اليمن، بل إنها مفتاح اليمن الذهبي الذي تفطّن له كل من أراد أن يكون له تأثير على الداخل اليمني، وهذا ما عمل عليه الرومان والأحباش والأيوبيون ودولة الخلافة العثمانية، كما كانت أرضها بيئة فاعلة للدول اليمنية التي نشأت كالدولة الزيادية والنجاحية، والمهدية، والرسولية ودولة الأئمة.
 

ومن أجل هذا الدور التاريخي حرصت جماعة الحوثي وصالح على السيطرة عليها وخنقها وتركيع أهلها حتى لا يقووا على القيام بأي ثورة أو معارضة، كون تهامة أصبحت النافذة الوحيدة والأهم التي تتيح للجماعة الحوثية وصالح الإطلال على العالم عبر البحر.

تهامة.. زرقة البحر وخضرة الأرض
تعد تهامة أرض زراعية بامتياز، حيث تحتل المركز الأول في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية فضلاً عن نشاط الاصطياد السمكي، بحكم أن تهامة تطل على شريط ساحلي طويل غني بالأسماك والأحياء البحرية كماً ونوعاً، والنشاط التجاري فيها متميز من خلال عمليتي "الاستيراد والتصدير" لثاني ميناء رئيس لليمن، وهي بهذا تُعد موردًا ماليًا كبيرًا، سواء كان بسبب حركتها التجارية أو بطبيعة أرضها الغنية.
 

لهذا حرصت جماعة الحوثي وصالح على استلاب هذه الأرض ونهب خيراتها، ولا نستغرب إذا علمنا أن سكان التهايم من أفقر أهل اليمن وأشدهم عوزا وحاجة، إذ إن سياسية التركيع والتجويع وإشغال المجتمعات بلقمة العيش والبحث عن ضروريات الحياة من مسكن ومأكل؛ أصبحت سمة المستبدين في كل عصر.

فالفاعل واحد والأدوات واحدة والنتيجة واحدة، مأساة إنسانية تنزل بأهل السنة بأدوات شيعية أو شبه شيعية، وبدعم وتأييد من قوى الاستكبار العالمي

تهامة.. سهول الأرض والإنسان
في الحديث الصحيح "أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوباً" تعبير نبوي صادق ودقيق عن طباع أهل التهايم وما جُبلت عليه أنفسهم، ولا زالت منازل الأشعريين في زبيد بتهامة شاهدة على هذا المعنى ومؤكدة له، يقول د.عبدالوهاب الحميقاني واصفا بعضًا من مناقب أهلها "أهلها أفضل اليمنيين رقة، طبع، وسلامة صدر، وأطيبهم عشرة، وأبعدهم غطرسة، وأكثر اليمنيين حرمانا، وهضما، وظلما، وأقلهم شكاية وصراخا، وأعظمهم تعايشا وبذلا لخيراتهم، وأطيبهم إكراما لكل وافد إليهم، وأبعدهم منة بفضلهم على غيرهم".
 

غير أن هذه الطِباع والخِلال الحميدة لم تشفع لهم عند المتسلطين والمتجبرين بل كانت سببًا عند جماعات الانقلاب لاضطهاد أبناء تهامة وسلب حقوقهم ومصادرة حرياتهم، ومع أن أهل تهامة عُرفوا بسهولة الانقياد والانصياع إلا أنهم عُرفوا أيضا بمقاومتهم للظلم وقوى الاستكبار أيضا.
 

هذه الأسباب وغيرها، تتشابه إلى حد كبير مع أسباب المآسي في سائر المناطق التي تقع ضمن سيطرة الجماعة الانقلابية، كما أن هذه المأساة في تهامة اليمن تتطابق مع المآسي التي تقع في مناطق النفوذ الشيعي في العالم الإسلامي كالعراق وسوريا والأحواز، فالفاعل واحد والأدوات واحدة والنتيجة واحدة، مأساة إنسانية تنزل بأهل السنة بأدوات شيعية أو شبه شيعية، وبدعم وتأييد من قوى الاستكبار العالمي، "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.