شعار قسم مدونات

الدين والعلم.. الصراع الظالم

An illustration released by the European Space Agency (ESA) shows the Schiaparelli EDM lander. A European space lander reached Mars on October 19, 2016 in what scientists hope will mark a major milestone in exploration of the Red Planet, but whether it touched down on the surface in good working condition was far from certain. ESA/ATG medialab/Handout via REUTERS FOR EDITORIAL USE ONLY. NO RESALES. NO ARCHIVES

قضية فلسفية، منذ قديم الأزل يتغنى بها كل منكر للدين أو بالأحرى كل منكر لمرجعية ثابتة تتحكم بحياته فلا تجعله يحيد عن الطريق المستقيم.

"الصراع بين الدين والعلم" مصطلح ظالم للطرفين، فالجهتين ليسا فى موضع تكافؤ حتى أقارن بينهما!  كيف تقارن الجزء بالكل؟ فالدين هو الفكر أو المنهجية التى تجاوب على الأسئلة الوجودية الشائكة؛ من أنا؟، ماذا أفعل هنا؟، ما هو أصل الإنسان والحياة؟، هل فطرتى بُنيت على الخير أم الشر؟، ماذا بعد الموت؟.. إلخ.

ظهر الدين نتيجة تسائل الإنسان نتيجة لتفلسفه، فكان الحل من الإله أن يبعث له ما يشبع فكره فى السؤال ويرضى فضوله. ووظيفة العلم هنا أنه الأداة التى تفسر كيف لذلك أن يحدث.

ماذا إن وجد العلم غدًا أن هنالك تفسير علمى آخر يقول أن لبداية الكون سبب آخر غير الانفجار العظيم

وبالتالى الدين يضع الخطوط العريضة، مثل "الكون له بداية"، لم يذكر هنا الدين متى كانت هذه البداية وكيف كانت، وما الذى حدث حينها حتى تبدأ.. العلم هنا من يوضح الكيفية، يوضح الآلية التى حدث بها ما قاله الدين.

إذا وماذا عن الإعجاز العلمى فى القرآن؟ ألا يعد ذلك إقحامًا للدين فى مجال ليس بمجاله؟  سؤال جيّد، فلتنصت فيما هو قادم إذّا.

من وجهة نظرى، لست مقتنعا تمامًا بمصطلح كهذا.. أراه مصطلحا خاطئا، ومن اخترعه أساء التعبير، فالأنسب والأقوم "الإعجاز العلمى فى تفسير بعض آيات القرآن" الآية موجودة، نحن نفسرها بناء على المعطيات التى أمامنا، والتى نرى أنها تتناسب وتتطابق مع مفهومنا للأية.

وإليكم مثال "أولم يرَ الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما"، يجمع المسلمون أن تلك الأية تدل على الBig Bang الإنفجار العظيم، والسؤال هنا، هل هذا التفسير مذكور فى الأية فعليًا؟.. لا! فقد تم استنتاج التفسير نتيجة اكتشاف ما يسمى بالBig bang .. ووجدوا أن هنالك آية توصف ذلك الاكتشاف فأصبحنا نستدل بها.

وذلك يجعلنا نتطرق لسؤال أهم.. ماذا كان تفسير تلك الآية قبل اكتشاف الbig bang؟.. لا يوجد! أول بالأحرى.. لا نعلم لها تفسيرًا! ويتضح من هنا أن التعارض "إن وجد" .. يكون بين العلم.. وتفسير الآيات وليس بين العلم والأيات بحد ذاتها.

وللتوضيح أكثر، ماذا إن وجد العلم غدًا أن هنالك تفسير علمى آخر يقول أن لبداية الكون سبب آخر غير الانفجار العظيم.. هل يعد ذلك نقضًا صريحًا للنص؟ .. لا! .. فهو نقض لتفسير النص وليس النص بحد ذاته.

هنالك مقولة فيما معناها تقول.. يبقى النص على قدسيته، حتى لو ظهر ما يخالفه! .. النص محفوظ، تفسيرنا للنص متغير ويتحمل الخطأ! .. وملحوظة مهمة هنا التفسير المتغير هو فيما يخص القضايا المتغيرة فقط.. ولا شأن لثوابت الدين وأحكامه  فالثوابت والرواسخ لا تتغير إلى قيام الساعة.

وهنا نتطرق لسؤال أهم وأهم.. ماذا لو لم يستطع العلماء بعد بحث وتنقيب أن يستخرجوا إستدلالًا قرآنيًا على قضية علمية معينة، هل يعد ذلك نقصُ من الدين أو من النص؟ لا لن يؤثر ذلك فى شيء فالأساس واضح من البداية أن للكون بداية.

هل من شأن القرآن أن يقول ويثبت علميًا كيف كانت تلك البداية؟ لا، فذلك ليس من اختصاصه من الأساس، لا عليك سوى الانتظار ليدلى العلم بدلوه! فهو الآلية التى توصف ما يقوله الدين كما اتفقنا مسبقًا.

ونظرتى فى كل من د زغلول النجار، ود على الكيالى ومن ينتهج نفس الفكرة، ومن يدافعون على "تفسيراتهم العلمية" لآيات القرآن الكريم على أنها صحيح مطلق ومن أصول الدين، ينقصهم بوضوح فهم فلسفة الدين والفرق بين الدين والعلم من حيث الإختصاص.. وما هو دور الدين والنصوص، والفرق بينهما وبين الآلية العلمية، فنحن ننصت لما هو مفيد من حديثهم، ونتجنب من قولهم الذى عليه ما عليه.

وختامًا للفكرة؛ الدين لا يتعارض مع أى نظرية علمية.. أى نظرية، حتى لو كانت تلك التى يتخذها منكرى الدين سلاح لمنهجهم.. نظرية التطور!

هل من شأن القرآن أن يقول ويثبت علميًا كيف كانت بداية الكون؟ لا فذلك ليس من اختصاصه من الأساس

فى الحقيقة، الدين لا يتعارض مع نظرية التطور كنظرية علمية  بل هنالك من "التفسيرات" ما يدعم وبقوة موقف التطور.. الخلاف الوحيد والجوهرى هو فى فلسفة التطور.. هم يقولون بالعشوائية، ونحن نقول بالمسبب والمصمم الذكى. ولكن كنظرية علمية، فهى تعامل مثلما تعامل أى من النظريات الأخرى.

لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتعارض الدين مع العلم.. التعارض الوحيد الناشئ بين المؤمن وغير المؤمن، هو فى فلسفة العلم، ودوره.

للأسف، كثير من الناس يتخذون العلم كمعقتد دينى، يدافعون عنه كأنه إله.. ولا يقتنعون أبدًا بأن العلم التجريبى قاصر فى حد ذاته، لا يستطيع تفسير الكثير من الأشياء.. اتخذوا من العلم إله للفجوات عكس ما يتهموا به المؤمنين.

يقف العلم قاصرا وبوضوح أمام العديد من الأفكار، مثل فكرة المسبب هو يفسر الآلية .. ولا يفسر أو يشير إلى المسبب الأول والمحدث لتلك الظاهرة. لا يستطيع فك تلك المعضلة إلا الفلسفة، والتى بدورها أنتجت الدين.. الذى هو فكر فلسفى فى المقام الأول، يقدم الإجابات والحلول للتسائلات بشكل مبسط ومنطقى.. وكل ذلك فى تكامل وتناغم جميل وسلس يريدون تشويهه!
حمدًا لله على النعمتين.. الدين والعلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.