شعار قسم مدونات

الجزيرة.. همس الذكريات وتحقيق الأمنيات

blogs-الجزيرة

في منزلنا الكائن بالهتمي الجديد في العاصمة الدوحة، استيقظت بعد منتصف ليلة الحادي والثلاثين من أغسطس/آب 1997، فوجدت والدتي شاردة الذهن سارحة في عالم آخر لا تعلم ما حولها، قد تكون تذكرت ابنها البكر الذي فقدته منذ سنوات ومنذ ذلك الوقت وجودها مستيقظة وحيدة والدموع تغمر عينيها شيء ليس بالغريب علينا، اقترحت عليها مشاهدة التلفزيون فهناك قناة إخبارية جديدة يمكننا الاستمتاع بمتابعة أخبار العالم من خلالها في أي وقت.

جلسنا أمام التلفاز لمشاهدة قناة الجزيرة الإخبارية لنتفاجأ بمشاهدة حادث أليم "حادث وفاة الأميرة ديانا" التي طالما عشقنا إنسانيتها وأناقتها. توفيت ديانا في حادث ظل العالم يترقب وينتظر تطورات أحداثه طوال الليل، بعد الاستيقاظ من الصدمة والاندهاش والعودة إلى الواقع، شعرنا بالفخر ليس لوفاة ديانا وإنما لوجود قناة عربية إخبارية تنقل الحادث بطريقة لم نشهدها من قبل فنحن في قلب الحدث نشاهد التطورات وكأننا في بريطانيا، كان هناك جواب لكل سؤال قد يدور في أذهاننا عن الحادث ومنذ تلك اللحظة أصبحت الجزيرة لها جانب كبير من حواراتنا المنزلية.
أصبحتُ أتابع الجزيرة بشغف -بالرغم من صغر سني- ولكن كانت تستهويني اللغة المستخدمة وحضور المذيعين وقدرتهم على الحوار، تولد حلمي أن أكون واحدة من تلك الكوكبة. وبعد فترة وبحكم انشغالي بالدراسة ووفاة والدتي التي كانت تشاركني الاستمتاع بمشاهدة الجزيرة بدأ الحلم يتلاشى ويصبح صعب المنال.

كنت أتمنى أن تكون أمي بجانبي تشاركني تحقيق حلمي الذي بدأ وأنا في قربها، وهي بعيده عني الآن لا يمكنها مشاركتي فرحتي ولكني على يقين لو كانت بيننا لقالت: "هاي بنتي اللي ما تعرف المستحيل"

عام 2009 حدث مالم يكن بالحسبان، التحقت بدبلوم الصحافة المطبوعة والإلكترونية بمركز الجزيرة للتدريب والتطوير بمنحه دراسة من الدولة لمجموعة من خريجات قسم الإعلام بجامعة قطر، عاد طموحي لأكون إعلامية بقناة الجزيرة.
يوم الجزيرة "13" كان لي شرف الحضور للاحتفال بيوم الجزيرة وذلك ضمن إطار التدريب الميداني للتغطيات الخارجية بالدبلوم. "ومن تكن العلياء همه نفسه فكل الذي يلقاها بها محبب" بدأ مقدم الحفل بهذه الكلمات المؤثرة للشاعر محمود سامي البارودي والتي لا تغيب عن ذهني أبدا، معرفا بذلك عن شاب إماراتي يعشق الجزيرة حيث جعل من شعارها جناح يسمو به للعالمية من خلال "منطاده".
في أجواء الاحتفال المليئة بالنجاح والسعادة والتميز قلت لزميلاتي بعد خمسة سنوات سأكرم هنا لإتمامي السنة الخامسة كإعلامية بالجزيرة، كلماتي لم ترق للكثيرات، البعض أخذها "باستهزاء" والبعض الآخر شجعني بكلمات رائعة ودعاء بالتوفيق.
بعد انقضاء فترة الدبلوم، التحقت بغرفة أخبار الموقع الإلكتروني للجزيرة العربية "الجزيرة نت" وبعد ثلاثة أشهر اجتزت إختبار القبول للجزيرة كصحفية. وأنا أكتب هذه الأسطر الآن أشعر بنبض قلبي المتسارع، وأنا أوقع عقد الوظيفة، لم أشعر بهذا الشعور أبدا من قبل ولم يتكرر بعدها إلى الآن.
عام 2016 وبعد مرور خمسة أعوام على انتهاء الدبلوم وقفت في ساحة الاحتفال، سجلت فيديو -سلفي- لزميلاتي قلت فيه تحتفل الجزيرة بيومها التاسع عشر وها أنا اليوم ابنة الجزيرة المدللة ذات الخمسة أعوام. أكثر ما أثار دهشتي أن الجزيرة نقلت الاحتفال بيومها 14 إلى 18 إلى أحد الفنادق بالدوحة، ولكن في يوم تكريمي عادت لتحتفل بيومها في الساحة القريبة من مبنى القناة المكان الذي حلمت أن أتوج فيه، أنا ممتنة للجزيرة لتحقيقها حلمي.
كنت أتمنى أن تكون أمي بجانبي تشاركني تحقيق حلمي الذي بدأ وأنا في قربها لحظة وفاة الأميرة ديانا، وهي بعيده عني الآن لا يمكنها مشاركتي فرحتي ولكني على يقين لو كانت بيننا لقالت: "هاي بنتي بثنوه اللي ما تعرف المستحيل"، فبهذه الكلمات كانت دائما ترفع من معنوياتي وتشجعني بعد تحقيق أي إنجاز، فهي تراني مميزة قادرة على تحقيق أصعب الأمور فكل صعب يسهل بالإصرار والعمل الجاد في قاموسي.
من أجمل المواقف التي أحرص على ترديدها وتداولها في اللقاءات مع الأهل والأصدقاء لقائي الأول بالمذيعين والمذيعات الذين اعتبرهم النخبة، ما زالت إلى يومنا هذا عندما تجمعني الصدفة بالسيدة الراقية المذيعة "خديجة بن قنة" أشعر بالإحراج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.