شعار قسم مدونات

لمن نصوت؟

blog-المغرب

العبث هو أن تحاول إقناع أي مغربي هذه الأيام بجدوى المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، وبضرورة إسهامه في معركة الوطن نحو ترسيخ قيم الديمقراطية، وبمسؤوليته في اختيار أشخاص أكفاء لاستكمال مسيرة الإصلاح الذي أريد لها أن تراوح مكانها منذ فجر الاستقلال.

والأكثر عبثا هو أن تحاول إقناعه كمواطن بممارسة حقه الدستوري في الإدلاء بصوته في صناديق الاقتراع والاحتكام لهذه العملية النزيهة التي تضع الاختيار بين يدي الشعب أولا وأخيرا لإسقاط هؤلاء و تغليب ألئك، ما دام رئيس الحكومة بنفسه يخرج بتصريح يؤكد فيه أنه ورغم صلاحياته الدستورية فهو لا يحكم المغرب، لنفهم أنه مجرد واجهة لتطبيق توصيات المؤسسات المالية الدولية…فما الجدوى إذن؟.

المغربي ليس في حاجة لسفسطة أحدهم ليرى حقيقة ما بلغناه من إجهازعلى المكتسبات السابقة في مجال الحقوق والحريات

أما الغباء فهو أن تقوم مع نهاية كل نسخة حكومية،ب"سعرة" انتخابية موسمية تجوب فيها المداشر والقرى المعزولة إن لم نقل المنكوبة لاستجداء الأصوات عبر توزيع الوعود الزائفة والأوراق النقدية، وإقامة الولائم لإسالة لعاب فئات مقهورة اجتماعيا ملت وجوه هؤلاء واعتادت سعرتهم المؤقتة وخطاباتهم الديماغوجية الإفلاطونية، بتحويل المغرب لدولة فاضلة تسود فيها قيم الديمقراطية والعدل والمساواة و تضمحل فيها صورالفساد وأشكال التمييز والعنف وهيمنة السلطة والطبقية الاجتماعية ..

والأكثر غباء واستغباء هو الاعتقاد أن تجسيد" الشعبية "عبر النزول إلى الشارع  والتقاط صورهنا وهناك مع "مول البيصارة" أو "مول الشفنج" أو ركوب دراجة نارية أومصافحة أحد البائعين المتجولين كاف لإثارة المواطنين ودفعهم نحو التصديق بنزاهة و جدية التنظيم عبر ممارسات أقل ما يمكننا أن نقول عنها أنها "شــــاذة"، تكرس سذاجة هؤلاء و ازدرائهم للمواطنين أكثر من تقربهم منهم بشكل لا يتوافق و حياتهم الشخصية الحقيقية التي لا تخفى مظاهر البذخ فيها على جميع المواطنين..

المغربي اليوم يعي جيدا أن خطابات المسؤولين مستهلكة مادام تشدقهم بمحاربة الريع لا ترافقه إرادة حقيقية لهؤلاء في ترجمتها لأفعال وقرارات ملموسة، فكيف لشخص يتقاضى رواتب وتعويضات وتقاعدات سمينة جدا، أن يوقف عجلة الفساد وهو غارق في أتونه؟ كيف له أن يحس بمعاناة الفئات المحرومة وهو لا يشاركم تقشفهم اليومي ومعاناتهم المستمرة، في سبيل توفيرما يسد رمق الحاجة؟

ببساطة كيف لمتخم أن يحس بجائع؟ وكيف لمستفيد من تفويت قطع أرضية بأثمنة تفضيلية أن يستشعرمعاناة ساكني "بواطات السردين" المسمات بالسكن الاقتصادي؟ ففي الأخير ليس من حق مسؤول أن يشكو كما قال "ديغول" فلا أحد أجبره أن يكون كذلك.

المغربي اليوم ليس في حاجة للاستماع لأرقام وزيرما أوحتى رئيس الحكومة، ليدرك أنها مجرد هرطقات على ورق، وأن حالته ووضعيته الاجتماعية وحتى النفسية لم تزدد إلا سوء وتقهقرا، المغربي ليس في حاجة لاستعراض بلمختار أو الداودي ليدرك إلى أي هاوية سحيقة انحدر التعليم، فالواقع أقرب إلى للتصديق: نقص مهول في الأطرالتربوية ترافقه هشاشة البنيات التحتية التي لم تواكب بعد الإنفجارالديموغرافي في المغرب، لتعطي دخولا دراسيا أقرب للكارثة بمعدل يفوق 70 تلميذا و تلميذة في بعض المؤسسات التعليمية، وبزوغ أشكال احتجاجية جديدة للتلاميذ، بوضع حد لحياتهم، ليؤكد ما جاءت به التقاريرالدولية من كون المغرب تراجع نصف قرن إلى الوراء في عهد الحكومة الحالية، فعن أي إصلاحات يتحدثون؟.

المغربي ليس في حاجة لسفسطة أحدهم  ليرى حقيقة ما بلغناه من إجهازعلى المكتسبات السابقة في مجال الحقوق والحريات المتمثل في اللجوء للشطط في استخدام السلطة والعنف ومصادرة حق التظاهر والاحتجاج السلمي، فلا زالت كدمات الأساتذة المتدربين شاهدة على ذلك، ولا زال جرحنا على "مي فتيحة" و" ابراهيم صيكا" وغيرهم الكثيرون،غائرا لم يندمل بعد، ولا تزال حملات الاعتقالات التعسفية في صفوف الطلبة مستمرة توثق لتقهقرإنساني يندى له الجبين.

المغربي لا يهمه أن تفخر بإصلاحك للصناديق الاجتماعية من الإفلاس،(التي لم يفلسها غيرهم)،ما دامت تنستنزف وتقتطع من شهريته الهزيلة، وما دام عبئ الإصلاح وتبعاته تتحملها الفئات الاجتماعية الهشة فقط، في إطار "لي فقير الله يزيدو فقرا على فقره ولي غني الله يزيدوغنى ورخاء"..

نحن بين مطرقة التصويت لأحزاب لا ترقى لمستوى التطلعات، وسندان المقاطعة التي تخدم مصالح هؤلاء أولا و أخيرا

لسنا بحاجة لأرقام حتى نرفع شعار "هذا مغرب الله كريم لا صحة لا تعليم"، فالخدمات الصحية العمومية المقدمة في المغرب لا تخفى جودتها المتدنية على أحد، كما أن توجهات الدولة نحو خوصصة القطاعين واضحة، زكاها السيد رئيس الحكومة في إحدى خرجاته قائلا أنه حان الوقت لترفع الدولة يدها على القطاعين.

فالمغربي من الطبقة المتوسطة- التي غالبت الإندثار- اليوم، يحاول أن يوفر ويقتطع من لاشيء، تحسبا "لدوائر الزمان"، حتى لا ينتهي به المطاف يوما مرميا بأحد جوانب مستشفى عمومي في انتظار دوره لأخذ موعد مع الطبيب الشهر المقبل..

إن الوضع بمأساويته لم يعد يقبل التأخيرولا أنصاف الحلول والوعود، إن مرحلة البناء الحقيقي للبلد رهين بمدى رغبة هؤلاء في الدفع بصراعاتهم الشخصية والاديولوجية بعيدا والمشاركة بشكل جدي في محاربة أشكال الفساد والنهب وإخراج الشعب من قوقعته وعزلته.

وحتى لو افترضنا نزاهة صناديق الإقتراع فإن المغاربة لا يصوتون، و الفئة المحددة لفوز حزب معين من عدمه هو قاعدته الشعبية المستقطبة من الشباب، والتي تفوق المليون بالنسبة لبعض الأحزاب السياسية.

إذن فنحن بين مطرقة التصويت لأحزاب لا ترقى لمستوى التطلعات، وسندان المقاطعة التي تخدم مصالح هؤلاء أولا و أخيرا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.