شعار قسم مدونات

الانتخابات الأميركية.. حالة سعار عالمية

blog-ترمب -كلنتون

العين مسلَّطة هذه الأيام نحو الانتخابات الأميركية، ليس لكونها مجرد انتخابات لخصمين متنافسين على مقعد رئاسة، بل لكونها الانتخابات التي تحدِّد المشروع القادم الذي سيعكس علاقة الولايات المتحدة مع العالم، الحلفاء منهم والأعداء.

العرب بطبيعة الحال جزء من هذا المشهد، ورغم أن غالبية بلاد العُرب تستند على تحالف "أصلي" مع أميركا إلا أنها تترقب ككل مرة الرجل القادم للبيت الأبيض، والذي سيحكم أحد أهم أقطاب الصراع في العالم إلى جانب روسيا.

ناقض ترامب نفسه بفجاجة في سياق انتقاده لحكومة أوباما عندما قال: “أنا ضد دخول العراق، وضد الخروج منه”

هذه المرة، على غير العادة الانتخابية، ربما يكون القادم إلى البيت الأبيض امرأة، هيلاري كلينتون، كأول رئيسة للولايات المتحدة وضامنة مصالحها حول العالم، وهي المرشحة الأولى إلى جانب قذافي كوينز دونالد ترامب.

لم تتوقف حملة "كلينتون" منذ اللحظة الأولى عن بث الدعاية التي تقول في نتيجتها: أنا أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة، وعليكم دعمي بسبب ذلك. ورغم بساطة هذا الطرح، إلا أنه وجد قبولاً لدى كثير من المؤسسات الإعلامية وعلى رأسها سي إن إن المقربة من الحزب الديمقراطي التي سعت إلى ترويج هذه الصورة النمطية منذ البداية.

وفي المناظرة الأولى بين المرشحين، تصدّت "كلينتون" للدفاع عن المرأة بوصفها تتعرض للازدراء في جملة خطاب عنصري يقدمه ترامب، لكنها لم تتوقف لحظة عند التوظيف المهين لهذا الحق -الدفاع عن المرأة- في الترويج لحملتها الانتخابية؛ هذا التوظيف الذي يبتزّ الناخبين بصورة مباشرة، فالحديث حول كونها أول امرأة في التاريخ الأميركي تدخل البيت الأبيض امتيازٌ لا يملكه خصمها بطبيعة الحال، إلى جانب كونها فكرة تحمل سطوة جيدة المفعول وتحفّز شعوراً بالمظلومية في مواجهة ناخبين يغرمون بالعناوين بعيداً عن التفاصيل والبرنامج الانتخابي، وفي السياسة وأمام حشود كبيرة من الناخبين .

على الطرف المقابل، كان ترامب الأسوأ على الإطلاق، فقد ناقض نفسه بفجاجة في سياق انتقاده لحكومة أوباما عندما قال "أنا ضد دخول العراق، وضد الخروج منه"، ورغم إيماني بمدى بشاعة السلوك البراغماتي الذي يحمله هؤلاء، إلا أنه سجّل درجة قياسية في الغرور الأميركي، فترامب ظلَّ طيلة الأشهر الماضية يؤكد على أن أميركا "ليست شرطية للعالم"، لكنه في زاوية أمام خصمه كشف عن اعتقاده -كأقرانه- في ضرورة أن تبقى الصيرورة التاريخية لتلك الدول خاضة للمعيار الأميركي تحت مبرر "الاستثناء".

وهو هنا يعكس انتهازية العقلية السياسية الأميركية في التعامل مع دول "العالم الثالث"، أما هذا المصطلح العنصري الأخير فقد أطلقه في سياق المديح لمطارات الإمارات وقطر "الأفضل حالاً من مطاراتنا القادمة من العالم الثالث"، أما مكمن السخرية هنا فهي أن كلا المطارين الذين ذكرهما في عالمه الثالث!.

لا تكاد تجد سياسياً اليوم إلا ويكون أحد أولئك المعاتيه الذين يقودون أزمات العالم ناحية الخراب

لا يتوقّف سخاء ترامب في إمطارنا بفرائده عند هذا الحد، فنجده يرد على تهمة العنصرية بإصراره على التأكيد على "الحقيقة التاريخية" وهي أنه كان قد افتتح نادياً، وسمح فيه -بتواضع- بوجود أصحاب البشرة السمراء والمسلمين، وهو هنا يجد نفسه ضرورة في محلٍ يستوجب من خصومه التقدير والامتنان.

لقد أصبح لهذا الصوت -المنبوذ سياسياً- في الولايات المتحدة مرشحاً في الرئاسة! شعرت لحظتها أن آخر فقرة من الكوميديا السوداء قد انتهت للتو، وبدأت مأساة حقيقية للوثة جنونية تصيب ساسة العالم كله، بعد أن ظنناه وباءً محلياً.

اليوم، تعيش السياسة حالة انتكاسة قيمية، وسط استبداد الأقلية وهيستيريا لليمين وحالة من الغطرسة والسعار ناحية الإنكفاء.

لا تكاد تجد سياسياً اليوم إلا ويكون أحد أولئك المعاتيه الذين يقودون أزمات العالم ناحية الخراب، أما أصوات الحكمة فهي غير مغرية بالنسبة لأصحاب الأنياب الطويلة، ولا يسمعها أحد وسط الصخب وقرع الطبول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.