شعار قسم مدونات

نازح في وطني

Newly internally displaced people sit upon their arrival at Al Khazar camp near Hassan Sham, east of Mosul, Iraq October 28, 2016. REUTERS/Zohra Bensemra

استيقظت في الصباح الباكر كعادتي عندما أذهب إلى المدرسة كما أفعل كل يوم، ولم أكن أعرف أن العراق أصبح ملكاً لأمريكا وقد احتلته في اليوم الذي كنت سعيداً فيه.

وأنا في طريقي إلى أصدقائي ومدرستي فإذا بسيارات الاحتلال تهرع داخل مدينتي التي لم ترى الحرب أبداً فقد كانت تبتسم دائماً وتداعب مزارعها وتضحك لأطفالها . لكن المحتل لا يعرف هذه الأشياء فقد جاء لتدميرها.

الموت يقرع أبواب الأبرياء في المدينة كل يوم، ولا أحد يعلم متى يأتي العدو ويحصد أرواحهم.

بدأت أجراس الموت تنادي الأبرياء من جرائم الاحتلال، مات صديقي برصاصة في الرأس وأحرقوا أمه بعد اغتصابها. وجاري الذي لم يكن يعرف طعم الحياة إلا بعد أن رزقه الله بطفلة أسماها حويجة  وهو اسم المدينة التي أعيش فيها.

أصبحت حويجة طفلة  جميلة مشاغبة في الحي، لكنها لم تكن تدري أن العدو يريد أن يقتلها و يُبكي أبيها وأمها التي لازالت تهتم بتفاصيل شعرها و ألوان ملابسها فقد دهستها سيارة الاحتلال.

لم تذهب حويجة الطفلة إلى الجنة كطائر بل ذهب أخوها وأباها الذي وضعوا الرصاص في قلبه كالكلمات الحارقة. ما باليد حيلة يا أم حويجة ذهبت الطفلة وأبيها وراحت معها أزياؤها وألوانها الجميلة وابتساماتها اللطيفة.

الموت يقرع أبواب الأبرياء  في المدينة كل يوم، ولا أحد يعلم متى يأتي العدو ويحصد أرواحهم. خرج الاحتلال من المدينة فابتهج أهلها وفرحوا لأنهم لا يعلمون أن ذهاب الاحتلال لا يعني ذهاب أفكاره   في النفوس الضعيفة والعقول المريضة.

بعد سنوات من الحرية والموت الذي كان يفتك بالأطفال والنساء والرجال والشباب جاء بعض الرجال يرتدون أزياء متسخة كعقولهم ويحملون بيدهم رايات سوداء كقلوبهم، يدعون أنهم مرسلين من الإلٰه وهم أحفاد الأنبياء والمدينة كانت مع الإسلام فصدقوهم ومشوا خلفهم، ولم يكن متوقع منهم أن يشعلوا الأرواح ويذبحون الأعناق ويسرقون الخبز والأموال ويهتمون بالموت والرصاص .

اهتموا بالبنادق وتركوا السلام للمدينة. لم يكن شيئاً عادياً لمن في المدينة بل كانوا في حالة رعب بسبب الطائرات والقصف العشوائي الذي كان يمطرهم براميل متفجرة. وعندما يصحو الناس يجدون أشلاء الجثث في الشوارع.

كان منظراً مخيفا  يؤلم الأطفال ويبكي النساء ويصرخ الرجال.. لم أعد احتمل البقاء والصمود طويلاً في مدينتي التي عرفت الله فيها وزرعت الأمل في شوارعها.

بدأت الأرض تضيق علينا تؤلم أجسادنا بأشياء لم نرتكبها، فالطغاة لطخوا أيديهم بدماءنا وذبحوا أمام الأنظار أفراحنا وضحكواعلى مآسينا.

حاولت الهروب منها وعلى عاتقي أحزان أشبه بالجبال وفي قلبي منزل كان مليء بالابتسامات. غادرت مدينتي متهجاً إلى كركوك التي  أصبحت كهفا لمن هم مثلي. المنازل مرتفعة الإيجار والشوارع ممتلئة بتجار الأرواح وعلى الرصيف يجلس الفقراء.

كل من في المدينة لا يريد منا البقاء، لكن لم نستطع فعل شيء ليس لنا  سوى الصمت في افواه الكلمات المؤلمة والضربات القاسية. وحتى إن أراد أحدنا عملاً سألوه بحقد أنت نازح ولا يمكن أن تعمل معنا.

وهاهي الأرض بدأت تضيق علينا وتؤلم أجسادنا بأشياء لم نرتكبها، فالطغاة لطخوا أيديهم بدمائنا وذبحوا أمام الأنظار أفراحنا وضحكواعلى مآسينا. مشهد يتكرر في المدينة التي لازالت تقسو على الغرباء وتزيدنا من لوعة الاشتياق.

لم نرتكب ذنباً بهذا الحجم لكي نصبح نازحين في وطننا والجميع يتهمنا بالخيانة للوطن، ونحن الذي قدمنا أرواحنا من أجله، ولكن بات الكثير يكذبنا فقط لأننا أصبحنا مشردين من مدينتنا التي كانت تهتم بنا عكس ما تفعله هذه المدينة التي نحن فيها نازحون..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.