شعار قسم مدونات

أصدقائي بفيسبوك.. جدتي ومحمد كريشان

blogs - social media
يرمي أستاذنا محمد كريشان نظارته على صدره ويتركها معلقة في خيطها الرفيع الملتف على عنقه، لينادي على أحدنا -نحن الشباب- لمساعدته في ترتيب بعض الأمور التقنية في حسابه على فيسبوك أو تويتر، معتبرا أنه ميداننا الذي نبرع فيه. وما أن ننفذ له ما يطلب حتى ينطلق في استخدام المواقع الزرقاء بكل رشاقة، بالضبط كما يفعل على شاشة الجزيرة منذ سنوات.

في السنوات القليلة الفانية عصفت هذه المواقع بغرفة أخبار الجزيرة، كما فعلت بكل جوانب حياتنا، كان الجدل واسعا ومثيرا حول استخدامها، أو التعامل معها؛ وما لبثت حتى ثبّتت أقدامها داخل دوائر الأخبار وتقاريرها، كمصدر للمواد –بعد التحقق من دقتها وصحتها- التي تنشرها الدول والجماعات، أو كوسيط يحمل المادة الإعلامية –الدقيقة والرزينة- إلى الجمهور الواسع الموجود عليها.

ولم تتوقف الجزيرة عند هذا الحد في استخدام الفضاء الافتراضي، بل إنني لا أكشف سرا إن قلت بأن القناة تعكف على أن يكون التفاعل مع جمهورها على هذه المواقع هو أحد أهم ركائز الشكل الجديد للقناة الذي سينطلق في الأيام القادمة.

الطفرة التي تحدث في أيامنا هذه حدثت قبل قرون وصولا إلى أواسط وأواخر القرن الماضي؛ فانتشار الصحافة المكتوبة بين أيدي الناس كانت وبلا شك ثورة في عالم الإعلام.

بالعودة لأستاذنا محمد كريشان، الذي فاق عدد متابعيه المليون ونيّف على فيسبوك، وعشرات الآلاف أمثالهم على تويتر؛ فقد نقلت هذه الحسابات أكيدة الصلة بصاحبها –وهو ما بات يعرف اليوم بالحسابات الموثقة أو ذات العلامة الزرقاء- نقلته إلى عالم جديد، وجمهور قديم ضاق وقته ذرعا بالجلوس أمام شاشة التلفاز ليشاهد حصاد اليوم الممتد على مدى ساعة ونصف من الزمن؛ كما باتت تفعل جدتي التي أنشأت حسابا على فيسبوك وغمرتها الفرحة عندما شاهدت كريشان وغيره من نجوم الإعلام العربي يتفاعلون على ذات المساحة التي تتواجد فيها، فأصبحت تتبع حساباتهم وصفحاتهم لتتلقى الأخبار وتبعاتها بطريقة أكثر رشاقة من الطريقة ثقيلة الدم على شاشة التلفاز.

أما الجمهور الجديد؛ فهم الشباب الذين تقل أعمارهم عن الـ 25 عاما وقد دخلوا عالم تلقي الأخبار والتفاعل معها رغبة في معرفة ما يدور حولهم؛ لكنهم لم يرتبطوا بالتلفاز إلا لمشاهدة المنافسات المحتدمة بين رونالدو وميسي، أو متابعة ما تجود به قنوات الأفلام من نجوم هوليود وغيرها.

ذات الطفرة التي تحدث في أيامنا هذه حدثت قبل قرون وصولا إلى أواسط وأواخر القرن الماضي؛ فانتشار الصحافة المكتوبة بين أيدي الناس كانت وبلا شك ثورة في عالم الإعلام والتواصل الاجتماعي في شكله ذاك، بعد ذلك بقرون ثارت التقنية مرة أخرى عندما أدخلت عالم الإذاعة، فاعتُبرت في ذلك الوقت، الخطر الاستراتيجي الذي يهدد وجود الصحف، إلا أن الأمر لم يكن كذلك، فما زالت الصحف تعمل وتحدث من أساليبها ووسائلها للوصول إلى جمهورها، رغم توجه عدد لا بأس منها في السنوات الأخيرة إلى أشكال أكثر إلكترونية.

وفي أواخر القرن الماضي ظهر البث الفضائي كقنبلة فجرت عالم الإعلام والاتصال في عصرنا، فأصبح التسمّرُ أمام التلفاز لساعات طويلة أمرا عاديا، بل واجب الحدوث في اليوم والليلة، وكانت نشرات الأخبار والبرامج الحوارية الطويلة سمة هذه الشاشات، ومع ذلك استمرت الإذاعات في البقاء والتمدد إلى يومنا هذا، حيث يستمع أكثر من 95 بالمئة من سكان العالم إلى قرابة 44 ألف إذاعة؛ والأرقام على عهدة منظمة اليونسكو.

لا غرابة إذن فيما فعله العصفور الأزرق وزملاؤه بعالم الإعلام والاتصال بين الناس، ثورة حقيقية بلا شك؛ لكنها تذكرنا دائما أنها ما هي إلا زقزقات ومنشورات تعلق على حيطاننا الزرقاء سرعان ما تنجلي، ويبقى أثرها في انتظار ثورة جديدة تحمل إعلامنا بطريقة جديدة إلى جمهور جديد وعالم جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.