شعار قسم مدونات

الجزيرة عند مشرق الشمس

blogs - aljazeerablogs- blogs

في الصين وجوارها
"ماحققته الجزيرة من نجاح في تعريف المشاهد العربي بالصين خلال أسبوع واحد، فشل الإعلام الصيني باللغة العربية في تحقيقه على مدى خمسين عاماً.." هذا ما قاله وزير الخارجية الصيني السابق لي جاو شينغ خلال اجتماعه بالمدير العام لشبكة الجزيرة وضاح خنفر عام 2006 في قصر الضيافة الرسمي في العاصمة الصينية بكين.
 

لم يكن الوزير الصيني يجامل أو يعبر عن تواضع صيني معهود، بل كان يؤكد على حقيقة تستند إلى وقائع وتقارير ترده من سفاراته المعتمدة في العواصم العربية. وأردف الوزير قائلاً: إذا كان للعرب قولهم المأثور "اطلبوا العلم ولو في الصين" فإنني أقول لوسائل الإعلام الصينية "تعلموا من الجزيرة ولو كانت في قطر".

كان الوزير الصيني يتحدث عن أسبوع "عين على الصين" وهي أول عين فتحتها الجزيرة في سلسة تغطيات مباشرة ومكثفة أصبحت فيما بعد "سنة حميدة " بفتح عيون أخرى على السودان وتركيا وروسيا وإيران.. وغيرها.
 

الجزيرة لم تقنع بالتمترس وراء سور الصين العظيم فقط، بل قفزت من فوقه لاكتشاف مناطق مجهولة للمشاهد وعصية على الصحفيين.

لعلها مصادفة أن يكون الزميل جمال ريان الذي أطل في أول نشرة لقناة الجزيرة من الدوحة عام 1996 هو نفسه الذي يفتتح أول نافذة في "عين على الصين"، وأن يطل في أول نقل حي لقناة تلفزيونية أجنبية من على سور الصين العظيم بافتتاحيته المؤثرة "هذا السور الذي بناه قدماء الصينيين لاتقاء شر الغزاة ها هي الجزيرة تجعل منه جسراً للتواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب ..".
 

هذا هو بالفعل ما سعت الجزيرة إلى تحقيقه ولا تزال منذ يونيو/حزيران 2002 عندما قررت افتتاح مكتبها في الصين لتصبح القناة العربية الأولى والوحيدة في هذا الفضاء الصيني الواسع جغرافياً والضيّق إعلامياً، مدركة ضرورة التمسك بمهنيتها وموضوعيتها وآخذة بعين الاعتبار الأعباء الملقاة على عاتقها في بلد كان دائماً حاضراً في الوجدان العربي ولكن من خلال عين ثالثة -غربية في أغلب الأحيان-.
 

ومن هنا حرصت الجزيرة على أن يكون جميع طاقمها في بكين ممن يتقنون اللغة الصينية ويفقهون ثقافتها ويحرصون على الحصول على المعلومة من مصدرها دون وسيط أو ترجمان.

ولعل هذا السبب ساهم إلى حد كبير في إحداث نقلة نوعية في تعامل السلطات الصينية مع وسائل الإعلام الأجنبية عبر إقناع مسئولين صينيين على الظهور في مقابلات حية ومباشرة في بعض برامج الجزيرة وتلك ظاهرة غير معهودة لدى المسئولين الصينيين حتى مع وسائل إعلامهم المحلية.
 

لم يكن الطريق دائماً مفروشاً بالورود في بلد كالصين تعاني فيه مهنة المتاعب من متاعب إضافية جمّة فما بالك بقناة شعارها "الرأي.. والرأي الآخر"، الأمر الذي فرض عليها أن تكون من أوائل وسائل الإعلام الأجنبية لزيارة إقليم التيبت إبان أحداث العنف أو ما عرف "بثورة الرهبان" عام 2008، عندما كانت صور الجزيرة الحصرية هي الصور التي تناقلتها الكثير من وسائل الإعلام الأجنبية، وكذلك الأمر بالنسبة للأحداث المماثلة التي اندلعت في إقليم شينجيانغ ذو الأغلبية الإيغورية المسلمة عام 2009، الذي يرزح تحت وطأة تعتيم إعلامي قاس. وكان ذلك لا بد أن يثير حنق السلطات وسخطها واستدعاء مراسل الجزيرة عدة مرات إلى وزارة الخارجية.
 

لكن تغطية الجزيرة المميزة لزلزال إقليم ستشوان المدمر عام 2008 والذي خلف أكثر من ثمانين ألف ضحية أعاد المياه إلى مجاريها في علاقة الجزيرة مع السلطات الصينية، فقد اعتبر أحد المسئولين الصينيين في كلمة له أمام السفراء العرب خلال زيارتهم للإقليم بأن "تغطية الجزيرة المميزة كانت أحد الأسباب في إبراز حجم الكارثة وبالتالي تدفق مساعدات الدول العربية لضحايا الزلزال والتي اعتبرت الأكبر في إطار المساعدات الدولية الأخرى".
 

وكذلك كانت تغطية طاقم الجزيرة لأولمبياد بكين 2008 وللذكرى الستين لتأسيس الصين وجميع الأحداث الهامة في البلاد بما فيها اقتحام المخاطر والصعوبات خلال تغطية تفشي مرضى سارس وإنفلونزا الطيور تلك التغطية التي لم تكن تقل خطورة عن تغطية الحروب.
 

لم يكن من السهل تغطية دولة بحجم قارة بإرث حضاري وثقافي طويل مثل الصين لكن الجزيرة لم تقنع بالتمترس وراء سور الصين العظيم فقط بل قفزت من فوقه لاكتشاف مناطق مجهولة للمشاهد وعصية على الصحفيين، فنجحت في اختراق كوريا الشمالية كأول قناة عربية وأعدت سلسة تقارير عن الوجه الآخر لبلد لا يرى منه العالم سوى مفاعلاته النووية وصواريخه.
 

وكذلك كانت الجزيرة سباقة في دخول ميانمار القلعة الحصينة الأخرى أمام الإعلاميين وأعدت منها سلسلة تقارير، كما يممت شطر الشطرالآخر لشبه الجزيرة الكورية نحو كوريا الجنوبية لتكون أول قناة عربية تجري لقاءأ مع رئيسها الراحل ري مو هيونغ ومع وزير دفاعه ومع وزير خارجيته بان كي مون الذي أصبح لاحقاً أميناً عاماً للأمم المتحدة.
 

قصة الجزيرة بعد عشرين عاماً على تأسيسها ملأت فيه الدنيا وشغلت ناسها، هي قصة نجاح أفتخر وزملائي في مكتب الصين جداً بأننا كنا جزءاً من صناعها.

ما لا أستطيع نسيانه من كل تلك اللقاءات هو المترجمة الكورية التي اختارت لها اسماً عربياً هو "ياسمين" وهي بالفعل كذلك. استقبلتنا في المطار بفرح طفولي غامر قائلة "لم أنم طوال الليلة الماضية، لقد اتصلت بجميع أصدقائي لأخبرهم بأنني سأرافق وفد الجزيرة" قلت لها ممازحاً: إذن سنعمل على تمكينك من العمل في الجزيرة.

لم أتوقع رد فعلها البريء والصادق وهي تقفز وتصرخ حقاً؟! حقاُ؟! هل يمكن لي أن أعمل في الجزيرة.. أنا مستعدة أن أذهب إلى الدوحة سيراً على الأقدام إن تحقق لي ذلك.
 

بدأت الجزيرة في الصين بثلاثة موظفين وها هو مكتبها الآن يضم نحو عشرين موظفاً، بدأت تنقل أخبار الصين إلى المواطن العربي وزادت على ذلك الآن بأن أصبحت تزود المواطن الصيني كذلك بما يدور في العالم العربي من تغيرات وتحولات عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة الصينية، وتستعد قريباً لإطلاق موقعها الإلكتروني باللغة الصينية.
 

تلك صفحات من كتاب الجزيرة في الصين وجوارها، إنها قصة نجاح عربي بامتياز وأن تنجح في منطقة تعج بنحاحات جديدة كل يوم فذلك لعمرك له طعم آخر.

نجاحات ينظر إليها الصينيون وجيرانهم بإعجاب شديد وإن اختلفوا معها أحياناً. تماماً كإعجابهم بقصص ألف ليلة وليلة مع إدراكهم بأن تلك من الخيال والجزيرة من الواقع.

قصة الجزيرة بعد عشرين عاماً على تأسيسها ملأت فيه الدنيا وشغلت ناسها، هي قصة نجاح أفتخر وزملائي في مكتب الصين جداً بأننا كنا جزءاً من صناعها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.