شعار قسم مدونات

اعتراف.. هزمني الفيسبوك

blogs - socialmedia

في بداية ظهور الفيسبوك وانتشار استعماله بين الشباب، كنت أستخف به وبمستعمليه من بعض أصدقائي وزملائي، ونشرهم لصورهم في المأكل والمشرب والسفر والنزهة وغير ذلك مما كنت أراه خصوصيات لا ينبغي مشاركتها مع "كائنات" افتراضية.

رفضت دعوات الأصدقاء للانخراط في حزب الفيسبوك، و"ناهضتها" لكن مقاومتي ضعفت ولانت بل وانهارت بعد ذلك، ربما في أواخر عام 2011 إن لم تخنّي الذاكرة دخلت ذلك الحزب بخجل و"احتشام".

دخلت للعالم الأزرق أتابع أعاجيبه وأحيانا "خوارقه" فقد أرغم حكومة في هذا البلد وذلك على التراجع عن قرارات أو اتخاذ أخرى.

راج يومها بقوة في وسائل الإعلام العربية والغربية أن هذه الوسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي كانت من العومل التي استطاعات أن تخترق القبضة الأمنية لنظام بن علي بتونس وتوهنه وتسقطه، وتسهم في إرغام حسني مبارك في مصر على الرحيل ونظامه على الاستسلام.

ومن المؤكد أنه كان للفيسبوك واليوتيوب دور معين في هز الأرض تحت كرسي بن علي ومبارك وإنهاء سنوات طويلة من استبدادهما.. ودور مقدر في الحراك الشبابي في بلدن عربية أخرى..

باختصار شديد دخلت للعالم الأزرق أتابع أعاجيبه وأحيانا "خوارقه" إذ استطاع أن يرغم حكومة في هذا البلد و ذلك على التراجع عن قرارات أو اتخاذ أخرى وماشابه ذلك، وباتت له قوة ضاغطة.

وكما يقول المثل المغربي "اللي يتعجب يتبلى" أي من يتعجب يُبتلى بما تعجب منه. نعم ابتليت من "البلية"-وهي الكلمة المغربية المرادفة للإدمان- وليس البلاء أو الابتلاء وإن كان ذلك جزء من المعنى أو من مشمولاته، وبت أقوم بما كنت أعيبه بل أستنكره على غيري من إطلاع أصدقائي في العالم الأزرق على بعض أنشطتي وصور أكلات وذكريات وهلم جرررااااااا.

وبات وقت كثير يمضي بل يضيع في عالم  مارك زوكربيرك.. صحيح هناك استفادة بعض الشيء كتجديد الصلة مع زملاء دراسة وأصدقاء على صفحات هذا العالم بعد انقطاع أكثر من عقدين من الزمان، ومتابعة أخبار ومستجدات ونقاشات، والاطلاع على وجهات نظر مختلفة في قضايا متنوعة والتواصل مع الأقرباء..

لكنها تضل محاسن قليلة إذا قورنت بحجم فداحة الخسارة وربما الجريمة في حق "مشاريع" بحثية  وفكرية تعطلت، ولائحة كتب يفترض الانتهاء من قراءتها حتى لايتجاوزها الزمن، ولاتبقى تنتظر على رفوف مكتبة أتخيل في كثير من الأحيان أنها تخاطبني قائلة "واااأسفاه عليك" فأطرق برأسي وأستحي أن أنظر إليها، وألعن هذا الجهاز المحمول الذي يكاد يخاصمني معها.

ادعوا لي ومعي أن أستعيد "لياقتي" فأهزم الفيسبوك بالنقرة القاضية "إلغاء الحساب".

جميل التواصل والانفتاح على العالم الأزرق لكن الأجمل والأحرى ألا نتورط في ذلك التواصل والانفتاح لحد الإدمان وقتل الوقت على حساب أشياء أخرى مهمة تصنع الفارق في حياتنا وفكرنا وثقافتنا ونظرتنا للعالم وموقعنا فيه.

طبعا قليلون من أعطاهم الله القدرة على إقامة االتوازن في اهتماماتهم، والموازنة الصارمة بين مراتبها ووضعها الذي تستحقه، لكن كثيرين وخاصة من الشباب تسرقهم وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتساب، يوتيوب..) من أسرهم ومجتمعهم بل من أنفسهم، وتدخلهم في عزلة وكأنهم في صومعة راهب، والحقيقة أن كثيرا منهم تائهون في صحراء لاحدود لها؛ "مشردين يتسكعون" على صفحات تلك الوسائل تتقاذفهم ذات اليمين وذات الشمال.

شخصيا لم أصل -والحمد لله- لدرجة "التشرد والتسكع" لكن المؤكد أن الفيسبوك هزمني وكاد يخاصمني مع مكتبتي.. فادعوا لي ومعي أن أستعيد "لياقتي" فأهزمه بالنقرة القاضية "إلغاء الحساب".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.