شعار قسم مدونات

هنيئاً لك.. لقد تم اصطيادك!

blogs-face

أتجوّل في الوجود كُل يوم، وأتابع الخفايا التي تختبئ بين الثنايا العابسة والملامح التي شاخَت قبل أن تكبُر، أمضي رحّالاً بعينيّ وأقف عند كُل محطةٍ تمكث فيها كُل تلك التقاسيم التي أرهق نموّها هذا الزمان الأعجف، الذي يمضي على وَهَن الشباب وضعفهم، هذا الزمان الذي يقتسم قوته مع الظلام الأسود والخوف إنه لا يأتي سوى بالتسليم والانكسار لأولئك الجاثمين دون أدنى حِراكٍ سليم نحو أيّ شيء من أيّ شيء.
 

أعبر مُتنقلا على سكةٍ من الأفكار السائلة التي تُغرقني في هوْسٍ يُتعب في نفسي الراحة، أحاول أن أمضي عبرها قُدماً لكن دونَ جدوى، فكُل تلك التقاسيم التي ارتسمت على ملمحٍ غنّى كثيراً للحُرية والسَعْد ما به كي يُثنْى عن منالٍ نال من فكره عظيماً !
 

لقد وصلنا إلى نظريةٍ أصاغتها لنا الحياة وأجبرتنا على تعلّمها جيداً، وافترضت لنا أن كُل شخصٍ في هذا العالم يُخفي بداخله مخرجاً جيداً يختبئ في ذلك الجُزء المُظلم منه.

ليس الحديث هُنا عن الوهَن والضعف فقط، فالحياة خلّفت في وجوه المُتعبين والبشريين برزخاً يفصل بين شِقيّن منهم.. شِقَّين في وجهٍ واحد ولكن لا يلتقيان أبداً، أحدهم يمثّل ببراعةٍ كُل دورٍ لطيف يُمليه عليه عقله الذي يعي تماماً مدى كذبه، والآخر يقوم بالأداء الحقيقي لكل شيء، بل إن الآخر هو المُخرج الحقيقي لذلك السيناريو اللطيف الذي يُشاهده الوجه البريء أو الأحرى أن ندعوه بالضحية في ناظرهم الظلامي، كُل هذا يُوصلنا إلى حقيقةٍ جديدة، والحقيقة أن الحياة قد أنتجت بداخل كُل شخص منا صانع أفعالٍ مُحترف لا يعلم شيئاً سوى التمثيل والإخراج الجيّد لكل أفعاله التي تُناقض حقيقته.
 

لقد وصلنا إلى نظريةٍ أصاغتها لنا الحياة وأجبرتنا على تعلّمها جيداً، وافترضت لنا أن كُل شخصٍ في هذا العالم يُخفي بداخله مخرجاً جيداً يختبئ في ذلك الجُزء المُظلم منه ويقتنص كُل فرصة كي يصطاد بها ضحيةً جديدة تُخدع به وبُلطفه المُبطّن بالأذى، هذه الحقيقة التي عرفت فيها الدُنيا طريقاً نحو الكيفية التي تجعلنا نُؤمن بها بالتسليم دون المواجهة، فأغرقتنا بالتجارب التي جعلتنا في دائرة لا مفر منها سوى الحركة في داخلها وكأنها لُعبة " الهروب من الموت " الذي لن يهرب منه أحد!
 

كُل هذا الكَم من التناقض يختفي عن أعيننا الساذجة أمام الأجساد الهزيلة والملامح الحزينة التي تظهر بدور المَظلوم والبريء من كُل شيء قد يُؤذي، هُنا تقف الكلمات بحثاً عن معانٍ تشمل ما يختلج في داخلي عن صفاتهم التي أرهَقت في داخلي كُل براءةٍ أراها بعد الآن، وما يبدو عليه الأمر أيضاً أن المُخرج الخفَي في داخل كُل شخص منهم يبرع في انتقاء الديكور المِثالي لأداء الوظيفة التمثيلية أيضاً، إنه ألعبان لا يُدرك ماذا يعني أن تكون بريئاً بمعناها وعلّتها ولكنه يعلم تماماً أثرها على بريء حقاً في الحقيقة!
 

لا يجدر بِك أن تُؤمن بكل ما تراه فقط فأنت ترى لاعب الخِفة الذي يخدعك بصورةٍ أو بأخرى، وترى السراب الذي يخدع عينيك حين التعطّش لأي شيء، إذاً أنت لا ترى حقيقة كُل شيء بعينيك فقط، وفي الواقع يجب عليك أن تكون صانع أفعال لترى من يحترفها غيرك إذا أردت، ولكن المؤلم في صُناع الأفعال أولئك أن الحقيقة فيهم وفي هذا العالم باتت تُمثّل علينا الكذب وتُقنعنا فيه على انه الحق.
 

الجميع في هذا العالم يمتلك في داخله قِسماً مُظلماً نحو كُل شيء، ويُخضعه جيداً للمنطق قبل أن يهم بإلقاء الطعم وكتابة السيناريو القادم كي يلتقي بالفريسة الجديدة.

هذه الحقائق التي لم تزل مجهولةً عند أولئك الطيّبين في ذاتهم ستوقعهم دائماً في مكيدةٍ تجعل منهم الضحية التي تقبل على نفسها الحُزن بدلاً من أي شخص آخر إن لم يتعرّفوا عليها، إنها المداخل كي تبدأ في صياغةٍ جديدة في الحياة كي تبقى في مأمنٍ من الخِداع والظُلم في هذا العالم السيء، وإلا فلا تأمن نظرةً بريئةً سوى تلك القادمة من عيون الأطفال، فالجميع في هذا العالم يمتلك في داخله قِسماً مُظلماً نحو كُل شيء، ويُخضعه جيداً للمنطق قبل أن يهم بإلقاء الطعم وكتابة السيناريو القادم كي يلتقي بالفريسة الجديدة، والظلام في دواخلنا لا يشبع أبداً مهما أطعمته لن يتوقف عند المزيد.
 

والحقيقة الأخيرة هُنا، أنك إذا فطنت لأي شخصٍ بريء في هذا العالم السيء، فأنا أستطيع أن أقولها لك الآن وبكل قوّة، أهلاً بك في عالم السُذّج، أهلاً بِك في العالم الذي يحوي القلوب الطيّبة، أقصد.. العالم الذي يحوي ضحايا صناع الأفعال، هنيئاً لك الطيْبة والسذاجة، أنت الآن وفي كُل آن ضحيةً لطيبتك وبراءتك فهنيئاً لك لقد تم اصطيادك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.