شعار قسم مدونات

عن تحديات الحكومات العربية وثقافة لي الذراع

blogs- ضد الحكومة

كثيرا ما تحدثنا في حياتنا المعاصرة عن تسلط الدولة والسياسات الممنهجة التي يمكن أن تتخذها في سبيل فرض سياسة أو نظام إجباري على المواطنين، وكثيرا ما تداولنا جميعا كباحثين في الإدارة والاقتصاد والقانون والسياسات عن الأدوات التي يمكن من خلالها أن تقوم الدولة بفرض هاته السياسة بقوة السلطة وقوة القانون.
 

وقد زاد الاهتمام بهذا الموضوع بعد سلسة الثورات العربية المتتالية في الفترة الأخيرة والتي زادت بشكل أو بآخر من الأبحاث التي تضع الدولة في المسرح المركزي للأحداث ودراستها من عديد المداخل والنظريات التي تؤكد أو تفند تسببها في مشكلة ما من عدمها، ولكن قليلة جدا تلك الأبحاث التي تضع الدولة كمتغير تابع في إطار علاقتها بالفواعل الداخلية لها والتي تؤثر أشد تأثير على مخرجات سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.
 

حل مشكلة البطالة يجب أن يكون من خلال عمل مشترك لستة أو سبعة جهات حكومية تتابع وتنفذ الخطة الاستراتيجية لحل هاته المشكلة وليست مهمة جهة حكومية متعهدة بملف التشغيل.

فالحكومات اليوم وأعني بالذكر الحكومات العربية التي تمارس عليها ضغوطات يومية بالنحو الذي لا يجعلها ملزمة بتقديم الخدمات فقط بل تجعلها ملزمة بتوقع ردات الفعل والخوف على استقراراها وثباتها أيضا، إذ أن هذه الضغوطات تبرز في عدة عناصر مؤثرة تبين مدى التحول والنقلة النوعية التي انتقل بها عالمنا منذ الانخراط فيما يسمى العولمة التي شئنا أم أبينا قد تماهينا في منظومتها بايجابياتها وسلبياتها. ولعل هاته العولمة ساهمت بشكل كبير في محاولات التطوير المتتالية للحكومات وجعلها تحت ضغط مستمر إضافة الى عدة ضغوات أخرى لعل أبرزها التالي:
 

المعرفة صارت للجميع
فقد كانت المعلومات سابقا مصدرها الصحف والتلفزيون وأحيانا يكون مصدرها الوحيد المصدر الحكومي، ولكن صارت المعلومات اليوم مفتوحة وموجودة بسهولة على الإعلام التشاركي لجميع المواطنين.
 

المقارنات مستمرة
قبل 20 أو 25 سنة لم نكن نسمع عن تنافسية الدولة أو أن هناك دولة أحسن من أخرى في مجال معين أو في كل المجالات، لكن بعد ذلك لاحظنا إلى اليوم كمية التقارير التي تصدر وتقارن كل الدول في كل نواحي العمل الحكومي سواءا في التعليم والصحة الشفافية.. إلخ. وبالتالي لم يعد الاعتماد كثيرا على تقارير الدولة عن ذاتها بل صار الاعتماد أكثر على تقارير المنظمات التي تشكل بدورها عنصر ضغط مهم على الحكومة.
 

التوقعات مطردة ومتحولة
ونتحدث هنا عن توقعات المواطنين والمتعاملين الذين في احتكاكهم بخدمات القطاع الخاص، صارت توقعاتهم بالنسبة للقطاع العام الحصول على الخدمة بصورة لحظية بمثل خدمة القطاع الخاص.
 

ازدياد أعداد السكان
إن الازدياد المتواصل في عدد السكان يمثل عائقا كبيرا للحكومات في تغطية كل المجتمع من ناحية خدمية، وبالتالي فإن الحكومات لم تعد قادرة لوحدها على توفير المدارس والطرقات والمواصلات..
 

وجود مشاكل معقدة
مثل: البطالة التي لا يمكن حلها بجهة حكومية واحدة ك "وزارة العمل أو وزارة الاقتصاد"، ولعلي أستحضر في هذا الخصوص وزيرا سابقا للشغل في الجمهورية التونسية ما بعد الثورة حين صرح في إحدى الإذاعات أن مهمة وزارة التشغيل ليس التشغيل، مما أطلق العنان لموجة سخرية عارمة في الشارع التونسي آنذاك. ولكن يبدو أن هذا التصريح كان محقا فيه إلى أبعد الحدود؛ لأن التشغيل وحل مشكلة البطالة يجب أن يكون من خلال عمل مشترك لستة أو سبعة جهات حكومية تتابع وتنفذ الخطة الاستراتيجية لحل هاته المشكلة وليست مهمة جهة حكومية متعهدة بملف التشغيل.

على الحكومات أن تخلق قنوات تواصل مع الفئات المختلفة في مجتمعاتها وتدعم عنصر الشفافية في موازناتها وسياساتها، حتى يكون الشعب على بينة بالإمكانيات والتهديدات والفرص المطروحة

الشباب العربي
يمثل الشباب العربي اليوم أكبر مؤثر على الحكومات في منطقتنا لأنه جيل مختلف تماما عن الأجيال السابقة؛ فهو لا يقبل المعلومات الحكومية كما هي، ولا يقبل التعلم بطرق تقليدية في ظل وجود الإنترنت وجيل يهتم كثيرا بالتغيير وتطوير المجتمع وليس له الحوافز المادية التي كانت موجودة بالسابق، وهو ما يكون هاجسا مرعبا لحكومات دولنا العربية للتطوير المستمر.
 

وبالتالي فإن هاته التحديات تمثل حقا ضغوطات صرنا نستحسنها كمجتمع عربي حتى تسعى حكوماتنا إلى التغيير، حتى وإن كانت رغبتها السياسية متعنتة أنما تعنت في صد هذا التيار الجديد من المزيج المقلق المتكون من الحرية والعولمة، ولكن أحيانا ما تكون هاته الحرية مقلقة للحكومات إلى درجة التعنت في معارضة المصلحة العامة التي تخالف المصلحة الخاصة.
 

ولعلي من خلال هذا الطرح أعود إلى ما أسميه "ثقافة لي الذراع" التي صارت مخيمة على الثقافة التونسية مثلا، من نقابات وفئات مهنية غالت أو تراها تتغول في الفردانية المتوحشة والاستماتة على طلب استحقاقات وقطع الطرق وإغلاق المدن وتعطيل المصالح العامة والخاصة والتفكير بمنطق العدو للدولة وليس الشريك ومنطق انتهازي بامتياز.
 

ولعلي أذكر في هذا الصدد ما ساد ويسود إلى اليوم من حالات متكررة لإغلاق الطرق وإغلاق المنشآت الصناعية مثل شركة فسفاط قفصة وشركة بتروفاك اللتان عانتا من هاته الثقافة القاتلة لاقتصاد الدولة على المدى الآني القريب والبعيد المدى، إذ لا بد على الحكومات اليوم أن تخلق قنوات تواصل مع الفئات المختلفة في مجتمعاتها وتدعم عنصر الشفافية في موازناتها وسياساتها، حتى يكون الشعب على بينة بالإمكانيات والتهديدات والفرص المطروحة، وتدفعه أن يصير شريكا في بناء الدولة واقتصادها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.