شعار قسم مدونات

إياكِ أن تخافي من أن تقولي (لا)

blogs - thinking
كثيراً ما يدفع أحدنا راحته وسعادته وأحيانا حياته كلها فواتيراً لخجله الاجتماعي، فالخجل الاجتماعي يختلف تماماً عن الحياء الذي لا شك أنه من كمال إيمان المرء، فالحياء شعبة من شعب الإيمان كما أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "الإيمان بضعٌ وستّون شعبة، والحياء شُعبة من شُعب الإيمان".
 

 كما أن الحياء صفة مطلوبة في جميع المؤمنين من الجنسين، فلم يقتصر الحياء كخصلة من الإيمان على الإناث فقط، رغم أنه من الصفات التي تكتمل بها الأنوثة إن غضضنا النظر عن الإيمان.

 

وحدكِ المسؤولة الأولى والأخيرة عن قرارك لأنك أنتِ من سيعيش هذه الحياة، لذا أنت من يجب عليه أن يقرر ويقول بملء الفم "نعم"، أو بملء الفم "لا".

بيد أن المشكلة تكمن عندما يعرف المجتمع الحياء كما يشاء ويفرضه على من يشاء، فيضع معايير تحت شمّاعة الحياء ليضيق على الأنثى حريّتها في اتخاذها قراراتها المصيرية كالزواج، بينما يفسح المجال للذكر بتقليب خيارته وقرارته كيفما يشاء دون أن يتجرأ أحد أن يحاسبه أو ينتقِص منه بكلمة، من قال إنه من الدين ومن الحياء ألا تعبر الأنثى عن رأيها ولا تدلي بمشاعرها لأهلها؟ أليست لها كينونتها؟ أليس لها الحق في أن تقرر مع من ستكمل حياتها؟ وإلى من ستُسلّم أغلى ما تملك؟ وكي لا يُساء فهمي هنا فأنا أتحدث ضمن الإطار الشرعي الذي يحفظ لها دينها، عرضها وكرامتها، وبعد ذلك لا يهمني أبداً إطار الخجل الذي يحدده كلام الناس ورضاهم أو القالب الذي يريد أن يقولبني فيه المجتمع الذي بات يدمّر أبنائه، فعندما يكون الخوف من كلام الناس أهم من سعادتنا في اتخاذنا قرار مصيري في حياتنا سيكون عمرنا ومستقبلنا وسعادتنا ثمناً لخجلنا الاجتماعي من قول "لا".

 هنا يأتي دور الأهل، أعطوا الأمان لابنتكم بدلاً من "بدك تفضحينا؟" عندما ترى في "لا" طوقاً للنجاة، أنصتوا لها ولا تستهينوا بمشاعرها، بل كونوا سنداً لها بالحق وبيتا لأسرارها التي ربما تخجل أن تبوحها لأحدٍ سواكم، مدّوا أيديكم لها عندما تلعب بها يد الضياع، دعوها بمساعدتكم تختار بنفسها من تريد وماذا تريد، وإياكم أن تحتالوا عليها وتلعبوا على وتر قلبها الحسّاس كي تستسلم لقراركم، أو أن يأخذكم كلام الناس والخوف من ردة فعل المجتمع على أن تظلموا وتلقوا بفلذة كبدكم في غياهيب الزواج التعيس.

أما أنت يا صديقتي، دعك من كل الأصوات التي تتحدث حولك واسمعي صوت قلبك وحدك ما دمت استخرتِ الرب ودعوته أن يلهمك الصواب، فثقي بإحساسك، براحة قلبك وطمأنينته، أو بخوفه ورهبته، ثقي بطاقة الجاذبية بينك وبين الطرف الآخر، فما قال عبثاً حبيبنا محمدٍ صلَّى الله عليه وسلّم أن "الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف".
 

ولا تقولي لقد تأخر الوقت "العرس تحدد، وزّعنا الكروت، ما بقيان غير كم يوم! كتبنا كتابنا، شو بدي قول لأهلي، شو رح يحيكوا علينا العالم؟ بكرة بتاكل الناس وشنا"، دعك من هذه الكلمات السلبية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، عندما يبدأ الألم يأكل جسدك وينهش روحك، كوني قوية الشخصية في احترامك لذاتك وتقدير نفسك كأنثى.
 

أنا لا أحرضك معاذا الله لترك شريكك لأسباب تافهة أو أمور يمكن تسويتها بالتفاهم والتوافق، فالحياة الزوجية ليست وردية كما تصورها أفلام ديزني، كوني واقعية وواعية، اقرأي كتباً وثقفي نفسك في جميع جوانب الحياة الزوجية بدأً من اختيار الشريك حتى قبل أن تقبلي على فكرة الزواج، إياك أن تقبلي على الزواج دون أن تحضري نفسك وتستعدي لهذا الامتحان، وإن وقعتي في حيرة حتى لو بعد الزواج فاستشيري المختصين وأهل الخبرة، فإن تبين لك في أي مرحلة أن العلاقة غير متوازنة وغير مبشرة بالخير، لا تخافي من أن تقولي له "لا"، فقولها اليوم ليس كقولها غداً، والثمن اليوم ليس كالثمن غدا، لا تكوني دمية ميتة تحركها أيادي المجتمع وتفكيره كيفما يشاء، لا ترمي مشاكلك على النصيب، أنا لا أؤمن بهذه السلبية ولا أؤمن حتى بفكرة أن القدر هو من يظلمنا، فنحنُ في هذه الحياة مخيّرون لا مُسيّرون.
 

كل ما وقعنا به من مشاكل كان بسببنا، لسوء تصرّفنا في لحظة ما أو لعدم نضجنا كفاية في موضوعِ ما، نحن ننضج بالتجارب التي مررنا بها، بالقراءة والاطلاع، بالاستفادة من خبرات الآخرين، نحن المسؤولون عن تزكية أنفسنا كي نصل لمرحلة نكون فيها قادرين على اتخاذ قرارات صائبة، قدرنا بين أيدينا نرسمه بأدواتنا، لذا طوّري أدواتك وأحسني استخدامها، وحدكِ المسؤولة الأولى والأخيرة عن قرارك لأنك أنتِ من سيعيش هذه الحياة، لذا أنت من يجب عليه أن يقرر ويقول بملء الفم "نعم" أو بملء الفم "لا"، لا تسمحي لأحد أن يسلبك حقك هذا، ولا تفكري بم سيقول عنك الأخرين، فعندما يُغلق الباب عليكما لا أحد ممن "يتفلسف" عليك سيكون معك حينها، عندما تفقدين طعم ولون ورائحة الحياة وترين نفسك تتهاوين داخل نفسك، لن يسمع صوت تخبطك أحداً، وحدك ستواجهين كل الصعوبات وتتلقين كل الصفعات، فانجٍ بنفسك ولا تكوني نسخة مكررة لقصص الزواجات التعيسة، عيشي زواجاً ناجحاً سعيداً أو انجِ بجمال قلبك وروحك واسعدي مع نفسك، فالحياة أثمن من أن نضيعها مع من لا يستحقنا أو من يحاول تدميرنا، لأننا سنُسأل عن عمرنا فيما أفنيناه.

وكذلك فإن الخجل الاجتماعي فرض على بعض الشباب في بعض البيئات، فعليه كي يرضي أهله والمجتمع أن يتزوج من فتاة معينة بمواصفات معينة يحددوها له، كابنة العم التي تحمل نفس الحسب والنّسب، أو ابنة العائلة الفلانية من أجل مصلحة ما أو شوفونية معينه، وهنا يقع الزوجين والعائلة الناتجة عن هذا الزواج تحت ظلم الأهل!
 

يجب أن يحقق الزواج إشباعا كليا لأربعة جوانب حتى نضمن استمراريته، وإلا سيبقى الإنسان في العلاقة أعزب، أحدهم يمضي حياته ظمآن يلهث عمن يشبعه

الزواج أرقى من "جيبة ولاد له وتأمين مستقبل لها"! ولأهميته في إعمار الأرض كان أول العلاقات الإنسانية وجوداً، وهو حجر الأساس في النهوض بجيل صالح. وكي يقوم على أساس صحيح ونضمن استمراريته عليه أن يحقق الإشباع للروح، القلب والعقل لا للجسد فقط. وإلا فلا فرق عن زواج الحيوانات حاشاكم الله! فإن لم يتحقق الإشباع الكلي لهذه الجوانب الأربعة سيبقى الإنسان في العلاقة أعزب، أحدهم يمضي حياته ظمآن يلهث عمن يشبعه، من هنا تظهر المشكلات الزوجية والخيانات والتعدد والانفصالات، لأننا تجاهلنا تركيبة الأنسان وحاجاته.

أيها الأهالي الراقين، خافوا الله في أولادكم فالظلم ظلمات يوم القيامة، أرجوكم تعاملوا مع مشاعرهم وحيواتهم برقي، أنصتوا بعناية لاختيار قلوبهم إن بغضوا أو أحبوا، فالقلوب بيد الله وحده، هو من زرع في قلوبهم ما زرع، فاحترموا زرعَة الله، فإن كنتم قد عانيتم من ظلم أهلكم وارتبطتم بما لا تهوى أنفسكم، فباللهِ عليكم لمَ تسقوهم من نفس الكأس وأنتم أعلم بمرارته؟ وإن كنتم قد أخترتم شركاء حياتكم بأنفسكم، فبالله عليكم لمَ تحرموهم سعادتهم وتُفصّلون لهم حيواتهم؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.