شعار قسم مدونات

قبل نسف الحزام..

A member of Libyan forces allied with the U.N.-backed government shows disarmed explosive belts that the forces said were used by Islamic State militants, following a battle in Sirte, Libya September 5, 2016. REUTERS/Hani Amara
هو ليس إرهابيا كما ترسمه منابر الاعلام وشاشات التلفزة.. غير أنه ممن استهوته روح المغامرة واكتشاف سبيل بكر بعد أن خبر مختلف تجارب الحياة بين الحانات والسجون.. وذاق مختلف أنواع الحشيش.. فماذا لو جرّب لحظة الإقبال على الموت.. فبينه وبين حور العين طلقة.. وبينه وبين الطلقة رعشة يهتز لها جسمه أشلاء فتحصله ملائكة الشهادة إلى مجلسه في الجنان.

ليس من العسير أن يحصل على الحزام الناسف.. فيكفي أن يهمس لنفسه حتى تتلقفه أجهزة المخابرات أو إحدى الجماعات بما شاء بواسطة أحد الشبان المتحمسين.في أحد المساجد.. أو عادة في ناد أو مقهى أو ملهى أو في زاوية الحي المهمش في أقصى المدينة.

في حزامه شريط ناسف.. ينشطر له جسده.. رأس يتدحرج في الفراغ مناطحا الهواء.. ورجلان تتدليان على أديم الأرض بكل خفة ليثبت عليهما بلا معنى.

لحظة الصفر إذن هي الاستنفار للدّفاع عن نص مقدّس أو حرمات منتهكة أو أرض مغتصبة أو أخت ثكلى.. وتتالى لحظات التخطيط باندفاع دون مراعاة لروح المغامرة.

هو ذا يحدد هدفه ويحصل على غايته..فيكفيه أن ينظر إلى الجميع كتلة كافرة.. ووحده على سبيل الخلاص.. إذ يستقبل الجنة بروح الشهيد ليتخلص نهائيا من كبائره التي جمعت ارتكاب الفواحش ومعاقرة المحرمات وإدمان الممنوعات.

يرتّب شؤونه بكل سرية شأنه في عمليات سابقة جربها في عالم الجريمة والمغامرة.. ويستجمع كلّ شجاعته التي يستمدها من تجربة السجون التي طافها سجنا سجنا.. ومن كل الحكم التي حفظها عن ظهر قلب من أخطر المجرمين من أصحاب الأحكام الثقيلة والإقامات الطويلة.

يصغي إلى أشرطة تمنحه روحا جديدة لاستقبال مغامرته.."غرباء".. "صليل الصوارم".. يتلو آيات الشهادة.. يكتب وصيته.. يتلوها أمام الكاميرا في مشهد درامي وهو ملثم. فيحمل بين يديه ورقة ترتعش لها يده ويتلعثم عند نطق حروفها لسانه.. وعلى كتفه رشاشة.. وفي حزامه شريط ناسف.. ينشطر له جسده.. رأس يتدحرج في الفراغ مناطحا الهواء.. ورجلان تتدليان على أديم الأرض بكل خفة ليثبت عليهما بلا معنى.

ينهي تسجيل المشهد.. فيراجع خارطة الهدف.. ويعيد النظر في تخطيطه.. ليتخلص من المفاجآت.. يستحضر فرص التراجع.. وسيناريوهات المواجهة أو الفشل حتى يزداد ثقة في مهمته.

يسرع الخطى وقد بدأ مفعول المادة المخدرة التي تناولها يسري في مفاصله.. فيشعر باندفاع غريب نحو الهدف كأنه حصان هائج يريد أن يقفز فوق كل الحواجز.

هو ذئب منفرد.. هو انغماسي.. هو ترس.. هو فدائي.. كم تغريه هذه الألقاب فيتخيّلها وقد ملأت مختلف الصفحات الأولى على أشهر الجرائد.. وعلى شاشات القنوات العالمية متصدرة قائمة العناوين العاجلة والمهمة والحصرية..

يشقّ طريقه نحو هدفه.. بعد أن تخلص من شريحة هاتفه الجوال وأتلف كل الوثائق التي تترك أثرا لإدانة غيره.. فينظر إلى الأطفال الذين يعترضون طريقه ببراءة يستشعرها لأول مرة فيغبطهم على ألعابهم وبسمتهم.. ويصغي إلى الطيور بحساسية مرهفة فكأنها تدعوه إلى الحياة والمرح والغناء.. تنط صورة طفولته إلى مخيلته.. وترقص كلمات أمّه بين أذنيه.. متى سأراك عريسا؟ متى سأفرح بأطفالك؟ ما صورة العروس التي تريد لأنقيها لك من أقصى أحياء المدينة وما وراء كل المدن؟

تتراقص لعبة الحياة والموت بين عينيه.. يسرع الخطى وقد بدأ مفعول المادة المخدرة التي تناولها يسري في مفاصله.. فيشعر باندفاع غريب نحو الهدف كأنه حصان هائج يريد أن يقفز فوق كل الحواجز.. لم يعد قادرا على الالتفات أو الوقوف أو التراجع.. يتعالى لهاثه و تتسارع نبضات قلبه.. فلم يعد يفصله عن مهمته سوى لحظات.. يحشر نفسه وسط دورية أمنية كانت تراقب المواطنين في مدخل الفضاء التجاري الكبير.. ثم يرتفع دوي صفارات الإنذار و سيارات الإسعاف ويضج الفضاء بصخب فرق مكافحة الإرهاب وهتاف الصحفيين لاستطلاع حقيقة الحادثة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.