شعار قسم مدونات

أمة اقرأ أين هي من هذه التسمية اليوم؟

Michael Sievernich
لطالما تغنى المسلمون بأن أول كلمة أنُزلت على نبيهم صلى الله عليه وسلم هي كلمة اقرأ، ولكن أين هم الآن من القراءة والترجمة والكتب؟!
 

لماذا أصبحت المكتبة ركناً مهجوراً أو غير موجودٍ بالأصل في بيوتهم؟ لماذا أصبحت كتب الطبخ والسحر والروايات والقصص الرومانسية المفتعلة هي ما يلجأ إليه العرب إذا ما أرادوا القراءة؟
 

أهمية الكتب والقراءة في نهضة الأمم:
إن المٌطلع على حال الأمم ونهضتها يعرف أن أول سبيل تسلكه لهذا الأمر هو انتشار الفكر بين الناس، وهذا الفكر لا ينتشر بالهواء، وإنما يتم تلقيه من المعارف السابقة التي أصبحت الكتب وعاء لها فحفظتها بين دفاتها على مر السنين .
 

في أوطاننا أصبحت المكتبات خاوية على عروشها لا تجد فيها أحداً يقرأ، وحتى في المدارس والجامعات فالطلاب لا يقرأون إلا الكتب التي تُملى عليهم.

وإذا نظرنا الى حال أمتنا في سابق الأزمان، لوجدنا عدداً كبيراً من العلماء الذين ألفوا في حياتهم عشرات الكتب والمجلدات الضخمة كالشافعي والطبري وبقي بن مخلد وغيرهم الكثير، ولم يبرع علماء الأمة فقط في العلوم الدينية، بل في مختلف العلوم الإنسانية التي كانت في عصرهم، وألفوا لها آلاف الكتب والمجلدات، وبالطبع هذه الحركة الضخمة من التأليف للكتب لم تكن عن عبث، بل لقد تعب هؤلاء العلماء في طلب العلم من خلال القراءة والتعلم من أي مصدر وقع تحت أيديهم .
 

واذا نظرنا الى أوروبا ونهضتها المادية الحالية، فنجد أثر القراءة والكتب واضحاً، ففي منتصف القرن الخامس عشر اُخترعت المطبعة، وكانت انطلاقة جديدة لأوروبا وللبشرية جمعاء، فسهلت أمر انتشار الكتب والمعرفة بين الناس، وأسست لنهضة علمية شاملة في أوروبا أخرجتها من عصور ظلماتها في القرون الوسطى،وفتحت لها أبواب العلم من كل الجوانب.

يجب أن نخجل من أنفسنا،وهذا بالطبع ليس جلداً للذات، بل هو توصيف لواقع مرير نعيشه الآن بكل تفاصيله، ففي أوطاننا أصبحت المكتبات خاوية على عروشها لا تجد فيها أحداً يقرأ، وحتى في المدارس والجامعات فالطلاب لا يقرأون إلا الكتب التي تُملى عليهم، وغايتهم في القراءة والدراسة في النهاية الحصول على شهادة تؤهل للعمل، وحتى في مجال الترجمة ونحن من أوائل الأمم التي قامت بالترجمة، وشجعت عليها، ولنا في بيت الحكمة في عهد الخليفة المأمون في بغداد خير مثالٍ على هذا الكلام، ولكننا الآن أصبحنا من أقل الأمم في الترجمة ونشر الكتب، وهذا يعود بالطبع لقلة القراء.
 

وعندما نعلم أن دولةً مثل اليونان تترجم خمس أضعاف ما تترجمه الدول العربية مجتمعة، ومع العلم أن اليونان ليست من الدول الغربية المتقدمة جداً، وعندما ننظر الى احصائيات اليونسكو الأخرى ونجد ما تترجمه باقي الأمم والشعوب ونقارنه بدولنا العربي، وعندما نقارن الاحصائيات التي تتحدث عن عدد الكتب التي تقرأها باقي الشعوب في دولها مع عدد الكتب التي يقرأها المواطنون العرب، ألا يجب بعد كل هذا أن نخجل من أنفسنا؟!
 

لماذا لم نعد نقرأ؟ يعود هذا لعدة أسباب رئيسة واضحة منها:
1- غياب التوعية بأهمية القراءة ونفعها للإنسان والمجتمع.
2- عدم تربية الأطفال على القراءة في الصغر، وجعلها عادةً أساسيةً لهم.
3- وجود الانترنت والتلفزيون، اللذان أصبحا البديل الرئيسي للقراءة والكتب.
4- دنو الهمة وقلة الطموح، فأصبح الكثير من العرب لا يفكر سوى بهمومه الشخصية الضيقة، ولا يجعل همه الكبير هو نهضة هذه الأمة، وبطبيعة الحال فالقراءة أساسية لنهضة أية أمة على وجه الأرض.
 

نوعية القراءة:
فإذا تجاوزنا مشكلة قلة القراءة وانعدامها لدى الكثيرين، فهناك مشكلة أخرى مع من يقرأ، وهي طبيعة الكتاب التي يقرأها،فالكثير اتجه اليوم نحو قراءة الكتب التي لا تنفع وهذه مشكلة أخرى، فالقراءة ليست ترفاً فكرياً واجتماعياً كأن يقول فلان: أنا قرأت مئة كتاب أو مئتي كتاب، فليس الأصل في الأمر هو قراءة أي شيء، وليس السؤال كم قرأت؟ بل ماذا استفدت مما قرأت؟ فإذا لم تتنمى الملَكات الفكرية والعقلية للإنسان، وإذا لم يتسع الأفق أمامه أكثر، وإذا لم يُعمِل عقله ويتفكر ويوازن ويحلل في الأمور، فلا نفع بهذه القراءة.

الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، وهو المعلم الذي أن افتقرت اليه لم يحقرك

وأما الاتجاه نحو قراءة الروايات الرومانسية المفتعلة التي لا تقدم ولا تؤخر، أو نحو كتب دون هدف أو مضمون، فهذا ضرب من ضروب مضيعة الوقت وإهداره على أشياء قد تضر ولا تنفع.
 

لا حل لتستيقظ هذه الأمة من سباتها العميق سوى أن تبدأ بتنفيذ أول أمرٍ أنُزل في القرآن "اقرأ"، فحينها تكون البداية الحقيقة لعودتها لحمل شعلة الحضارة والتقدم، ويتنزل كرم الله عليها، قال تعالى:" اقرأ وربك الأكرم"، كلما قرأت أكثر كلما ازداد الكرم الإلهي.
 

يقول الجاحظ في وصف من أجمل الأوصاف للكتاب: "الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، وهو المعلم الذي أن افتقرت اليه لم يحقرك، ومتى كنت منه متعلقاً بسبب أو معتصماً بأدنى حبل كان لك فيه غنى من غيره".
 

فلماذا يترك شبابنا هذا الصديق الوفي المؤنس ويتجهون لغيره مما لا ينفع؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.