شعار قسم مدونات

حلب فرس الرهان الأخير

blogs-حلب

حلب الشهباء مدينة ليست ككل المدن، تُحفر في تفاصيل ذاكرتك، يَرسم ملامحها مزيج من الفتنة والروعة، كيف لا واسمها يعني الصخرة الملساء الصلبة، منها تفجرت ينابيع الجمال ففاضت في شوارعها العتيقة وأسواقها القديمة مفعمة برائحة الصندل والبخور والتوابل، أنى تلفت وحيثما سرت تتنفس عبق التاريخ، حلب على وجه الدقة هي متحف كبير في الهواء الطلق.
 

أما اليوم فتختلط المشاهد أمام عيني بين حلب التي أعرفها أيام الدراسة الجامعية وحلب اليوم، بين عاصمة الثقافة الإسلامية وعماد الاقتصاد ودرة المدن السورية وبين حلب الدماء والأشلاء. لم يغب عن ذاكرتي أبداً ذلك الحيُّ الحلبيُّ (حي المشارقة) الذي كنت كلما حللّت به، تمر على مسمعي قصة المجزرة التي ارتكبها هشام معلى الضابط في جيش الأسد صباح يوم عيد الفطر الموافق 11/8/1980 وراح ضحيتها 100 شخص تقريبا وغيرها الكثير من المجازر، لكني كنت أتساءل يومها هل انتهت قصة الدم في حلب؟
 

فجاءت الإجابة واضحة بعد اندلاع الثورة السورية المباركة أن التاريخ يعيد نفسه، فمنذ اللحظة الأولى كانت حلب المدينة الأهم في الشمال بالنسبة للنظام وهذا ما أخَّر الثورة فيها، فقد عمل على تحويلها إلى ثكنة عسكرية إضافة إلى زرعها "بالشبيحة"، والأهم كان الاستعانة بالطبقة البرجوازية الذين يمسكون باقتصاد حلب وتربطهم علاقات وطيدة معه، وحين دخل لواء التوحيد حلب قلبت الموازيين وجن جنون النظام فبدأ بحصار وقصف المناطق الشرقية والجنوبية الثائرة منذ عام 2012 وبشكل يومي.
 

العالم الحر يقف متفرجا لا حراك كأنَّ على رؤوسهم الطير، أجساد تمزق ودماء لونت مدينة حلب الأبية إلى الأحمر، وفي ذات الوقت تقام حفلات الغناء والرقص بدم بارد

لماذا حلب؟
حلب مدينة تسكنها أغلبية سنية ومن الصعب بمكان تغيير تركيبتها السكانية، فهي لا يمكن أن تكون حمص ثانية، ناهيك عن أن سيطرة الفصائل العسكرية على حلب كاملة سيكون قوة كبيرة وقاعدة للانطلاق لتحرير المناطق باتجاه دمشق، خاصة أن جارتها إدلب محررة أيضا ولها حدود طويلة مع تركيا والمنطقة الشرقية، وبهذا نستطيع القول أن تحرير حلب هو بداية سقوط الأسد في دمشق لذلك صب النظام وروسيا جام حقدهما عليها. والآن المطلوب هو إبادة أهل حلب بالكامل وتفريغها من السكان في خطوة مبدئية ليتم احتلالها فيما بعد من قبل قوات النظام، ثم يكون سقوط إدلب تحصيل حاصل.
 

الخطوة التي عمد إليها النظام منذ فترة وهي تجميع كل من يحمل السلاح ضده في الشمال وآخر مثال على ذلك تفريغ داريا أوحى للكثيرين أن النظام يريد تقسيم سوريا، بل هو يريد سوريا كاملة لكي لا يترك أي قوة مسلحة تكون شوكة ضده، لذلك جعل الجبهات التي تستنزفه هنا وهناك جبهة شمالية واحدة ثم يعمل على جعلها محرقة، فالنظام يريد الأرض فقط والسكان جاهزون من إيرانيين وغيرهم.
 

ما يزيد الأمر سوء أنه خلال أسبوع هناك ما يفوق 300 قتيل وأكثر من 1300 جريح، ومع خروج معظم النقط الطبية عن الخدمة جراء القصف، وضعف الإمكانات أصلا في حلب المحاصرة ينذر بأكبر إبادة جماعية على وجه الأرض، ناهيك عن التفاهمات التي سبقت هذه الهجمة دليل واضح أن الضوء الاخضر قد أُعطي لروسيا لإبادة أهل السنة الثائرين في حلب فهل بيعت حلب لصالح النظام؟
 

العالم الحر يقف متفرجا لا حراك كأنَّ على رؤوسهم الطير، أجساد تمزق ودماء لونت مدينة حلب الأبية إلى الأحمر، مشاهد لا يمكن وصفها إلا بأنها أشبه بيوم القيامة، وفي ذات الوقت في القسم الآخر من المدنية تقام حفلات الغناء والرقص بدم بارد هؤلاء هم أتباع النظام.

مع كل ذلك المشهد المأساوي المظلم عندي يقين كامل أن حلب ستنتصر وسأعود لأمشي في حاراتها وأشم رائحة صابون الغار والزعتر، فأين هو هولاكو الذي دمر حلب واستباحها، ذهب هو وبقيت حلب فأرض الشام المباركة لا تحمل جبارا إلا وكسرته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.