شعار قسم مدونات

السوشيال ميديا بين يدي الجهل

A man is silhouetted against a video screen with an Facebook logo as he poses with an Samsung S4 smartphone in this photo illustration taken in the central Bosnian town of Zenica, August 14, 2013. REUTERS/Dado Ruvic/File Photo

في ظل التطّور والتقدّم التكنولوجي؛ ظهرت مؤخراً خاصيّة البث المباشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" والذي يعتبر من أقوى المواقع التي يستخدمها الأشخاص وخاصة فئة الشباب، بحيث يضم حوالي 1.5 مليار مستخدم حول العالم.

وكان موقع فيس بوك قد أطلق هذه الخدمة مؤخراً لتكون متاحة للجميع بعد أن كانت مقتصرة على الصفحات الموثوق بها فقط، ونالت هذه الخاصيّة إعجاب العديد من مستخدمي الموقع.

ولكن، هل استخدم العرب هذه الخاصية بشكل صحيح؟ هل أنت مع الفيس بوك بأن تصبح هذه الخدمة متاحة لجميع مستخدمي الموقع؟ مع العلم بأن كل طبقات المجتمع العربي بكبيرها وصغيرها من جاهلين ومثقفين يستطيعون الحصول حتى على صفحات مزيفة.

هذا مجتمعنا مع الأسف؛ فتاة جميلة، تجلب آلاف المتابعين والتعليقات، في الوقت ذاته الذي نرى بثاً مباشراً للمجازر في حلب يصور لنا الظلم وصراخ المستغيثين، فنرى تعليقات تلوم صاحب الفيديو.

هذا البث الذي يخوّل مستخدمه الحصول على نفوذ حر دون قيود حتى أخلاقية أحياناً واختيار شريحة المتابعين إما بشكل عام أو خاص.

اليوم وقد وصل العلم إلى ما وصل إليه من تطور حضاري وتكنولوجي وثقافي، للأسف نجد أن هناك استخدام خاطئ وجهل يضع مستخدمه في حيز التفاهة.

تصلني في بعض الأوقات إشعارات على صفحتي بوجود بث مباشر لأحدهم بعدة عناوين، بعضها ذو أهمية فأسرع لمتابعتها بشغف وأشاركها على صفحتي الشخصية من شدة إعجابي بالموضوع المطروح بما يحتويه من علم وثقافة ووعي لطارحه، ومن المؤسف أنني لاحظت تواجد عدد قليل من المتابعين وعدد الإعجابات، لا بل ومهاجمة لصاحب البث وردود خارجة عن الأدب .

وبعض العناوين التي تثير الاشمئزاز وأتمنى لو أنني أستطيع إيقاف بثها، أرغم نفسي على المتابعة ولو لدقيقة لأشاهد ما وصل إليه البعض من تخلف فكري، علَّني أجد سبيلاً للحوار معهم أو انتقادهم بشكل بنّاء ودعوتهم للارتقاء بأفكارهم..

أتناقش مع نفسي وتدور بعقلي أفكار متعددة.. هل هي حريتهم الشخصية؟

أنا أؤمن بوجود فوارق طبقية وثقافية ومجتمعية وأحترم رأي الآخر ولكن.. هل يجب أن ألتزم الصمت على ممارسات الجهل؟

عنوان أثار دهشتي وفضولي معاً "سهران ومتّة وأركيلة وجو"، انتظرت حتى انتهى البث المباشر كي لا يعلم صاحبه بتواجدي كمشاهدة، أغنية رومنسية مع دخان الأركيلة الذي يملئ المكان بحيث يكاد يغطي شاشة الكاميرا، لا وجود لموضوع يتحدث عنه سوى مساؤكم جميل وكيف حالكم، أنا جالس هنا مع أركيلتي وأنتظر تعليقاتكم.

وكم كان سعيداً بإبراز عضلاته مرتدياً قميصه الداخلي "الفانيلا" والشورت القصير، أذهلتني التعليقات "منوّر بجمالك"، "شو هالحلاوة ياقمر"، "بأي نادي بتدّرب؟".. و الكثير من الإعجابات وعدد المشاهدين وهو يتحدث ويتحدث ويجيب عليهم.. نعم أصابني الذهول.

بثٌ آخر بعنوان "أنا هيك سهرتي اليوم.. وأنتو كيف سهرتكن"، في هذه المرة سيدة بعمر 25 سنة تضع "الميكآب" مع متلازمة "أركيلة، بث مباشر"، كانت تجلس على كرسي وأمامها طاولة عليها صحون حلوى ومكسرات وفنجان قهوة، وتنهال عليها التعليقات والإعجابات بمئات مضاعفة عن ذاك الشاب. أما التعليقات فكانت أردء من البث بكثير.. ولاداعي لذكرها هنا.

نعم هذا مجتمعنا مع الأسف الشديد؛ فتاة جميلة وصوت ضحكات عارية من الأخلاق، تجلب آلاف المتابعين والتعليقات، في الوقت ذاته الذي نرى بثاً مباشراً للمجازر في حلب يصور لنا الظلم والقهر وصراخ المستغيثين، فترى تعليقات تلوم صاحب الفيديو ويطلبون منه أن يكف عن نشر العنف لأن أطفالهم يتابعون الفيس بوك ويخافون عليهم من هذه المشاهد!
آهٍ لو تعلموا أن الجهل أشدُّ عنفاً على قلوبكم.

أَتعبت نفوسكم من صور الدماء والنساء الثكالى؟ أقلوبكم رقيقة وعقولكم فارغة؟ أما علمتم أن جهلكم أعان الغرب على قتلنا واستباحة دمائنا؟

إلى متى سنبقى هكذا؟.. ومتى سنرتقي؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.