شعار قسم مدونات

هل تطيح أمريكا بأردوغان كما أطاحت بصدام؟

blogs-أوباما واردوغان

أمريكا، وما أدراك ما أمريكا؟ صاحبة فضيلة الرذائل، الكاذبة الصادقة، العدو الحليف، ورغم أن أمرها هذا لا ينكره أحد، إلا أن الجميع لا يزال يتزاحم للتشبث في ذيل ثوبها، وإن كانوا على يقين أنهم "حتما" منذرون إلى ركلة قوية منها تودي بهم تباعا إلى أسفل السافلين.

وتاريخ أمريكا مع العرب يشهد بصدق هذا، فهو تاريخ حافل بالمكائد والفخاخ، والطريق بينهما مليء بالألغام والشراك، ورغم أن سقوط العرب في هذه الفخاخ هو سقوط مرير وأليم لا نهوض بعده؛ إلا أنه لا ضير من تكراره مرات ومرات وكأن شيئا لم يحدث! تارة من غباء، وتارة من حاجة، ودائما من ضعف.
 

إن أحداث الخليج عام 1990 ليست بالبعيدة المنسية، تلك المصيبة التي دكت رؤوس العرب دكا من محيطهم الى خليجهم، والتي أفضت إلى أسوأ التداعيات على البلاد العربية وشعوبها قاطبة حتى يومنا هذا، هذا الفخ الذي خططه وأخرجه ونفذه العم سام في الخليج العربي، فلم يكن "صدام حسين" ليجرأ على دخول الكويت دون أن يكون قد تلقى الضوء الأخضر من أمريكا التي بعثت بسفيرتها "أيبريل غلاسبي" عن قصد إلى بغداد لإبلاغه بأسلوب ملتوي رسالة مفادها: أن الولايات المتحدة لا تمانع اجتياحه للكويت، على اعتبار أنه شأن داخلي ليس لأمريكا أي دور فيه.
 

تحول أردوغان نحو روسيا هو ليس بالأمر السهل الذي يمر مرور الكرام عند الولايات المتحدة، بل هو أمر جلل ومحظور، ولهذا كانت الراعي الرسمي للانقلاب التركي.

فما إن سمع "صدام حسين" هذا حتى بلع الطعم سريعا، ووجه جيشه مباشرة شطر دولة الكويت واجتاحها في ليلة سوداء ظلماء، ليس على الكويتيين فحسب! بل وعليه وعلى الأمة العربية جميعها، متناسيا دور أمريكا في تأجيج نار الحرب بينه وبين إيران في زمن قريب، وتزويدها للطرفين بالسلاح طوال فترة الحرب حتى تتوازن القوى العسكرية بينهما أو تتقارب، لضمان استمرار الحرب كل تلك السنوات، حتى خرج كلا الطرفين من الحرب أضعف بكثير مما كان عليه قبل دخوله.
 

ثم تقف أمريكا موقف المنقذ والمدافع عن الحقوق والحريات التي لا تتوانى عن إغاثة المظلوم من الظالم، فيوجه الرئيس الأمريكي "بوش" بارجاته الحربية المؤججة بالجنود والطائرات والعتاد بمشاركة 30 حليفا دوليا إلى منطقة الخليج العربي ويرسي قواعده العسكرية فيها للإطاحة ب "صدام حسين" ونظامه، ليعلم الأخير "متأخرا" بأنه وقيع مكيدة شيطانية دبرتها له أمريكا بكل دهاء وسقط فيها هو بكل سهولة وسذاجة، وبدلا من أن يتراجع سريعا عن موقفه فيسد الباب في وجه المخططات الأمريكية ويفشلها؛ أخذته العزة بالكفر وتشبث بموقفه أكثر لينتهي بما انتهى إليه ويهوي بالعراق والمنطقة إلى هاوية لا قرار لها التي لا زلنا نهوي فيها إلى يومنا هذا.
 

لقد أعادت أمريكا كرتها مرة أخرى مع حليف قوي آخر لها في المنطقة وهي تركيا، عندما أعطى "أوباما" ل "أردوغان" ذات الضوء الأخضر "المقيت" لإسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية، موهما إياه أن أمريكا لن تتركه وحيدا أمام أي رد عسكري أو سياسي روسي، لتقف بعد ذلك موقف المتفرج دونما أدنى تدخل منها، وهي ترى "الدب القطبي" روسيا تضيق الخناق وتشد الوثائق حول عنق تركيا، مرحبة بكل تصعيد روسي تجاه تركيا.
 

وقد ظهر هذا جليا عندما طلب "أردوغان" تفعيل المادة الخامسة في ميثاق حلف الناتو والذي ينص على "أن تقف دول الناتو صفا واحدا في مجابهة أي عدوان خارجي يتعرض إليه أي عضو من أعضائه"، لكن "باراك أوباما" رفض تفعيلها ولم يكتفي الموقف الأمريكي بهذا الحد فقط، فقد أصدر "أوباما" أمرا بسحب بطاريات صواريخ "الباتيريوت" التركية المتواجدة على الحدود التركية في الوقت الذي كانت الطائرات الروسية تتعرض فيها للأتراك على الحدود السورية التركية.
 

وما إن تنبه "أردوغان" إلى النوايا الأمريكية الخبيثة تجاه تركيا، وأيقن بعظم الفخ الذي نصبته له من أجل إحداث وقيعة روسية تركية لاستنزاف القوى العسكرية لكلا الطرفين والتخلص منهما مجتمعتين حتى التف على المخطط الأمريكي مباشرة، وتراجع خطوة إلى الخلف، متخليا عن سياسة "البغال" التي انتهجها "صدام حسين" سابقا، فأعاد العلاقات الروسية التركية المباشرة دون علم أو وساطة من الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الروسي "بوتين"، وتقديم اعتذارا لروسيا عن ضرب طائرتها العسكرية، ليكون بهذا قد أفشل المخطط الأمريكي بجره نحو حرب عسكرية مع روسيا سيكون هو الخاسر فيها لا محال "كما فعلت مع صدام في الكويت".
 

ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تنفك تكيد المكائد وتحدث الوقائع بالدول داخليا وخارجيا؛ لذا كانت صاحبة اليد العليا في محاولة الانقلاب التركي مؤخرا، فهي إما أن تكون قد رتبت له أو أشرفت عليه لا ثالث لهما، كمحاولة جديدة منها للتخلص من "أردوغان"، الذي توجه نحو روسيا متجاوزا أمريكا خلفه، ولهذا فإن الولايات المتحدة لن تهدأ مضاجعها حتى تطيح بالرئيس التركي بأي طريقة وبأي ثمن، فهي على يقين تام بأهمية تركيا في المنطقة وفي الأحداث الراهنة، وبالدور المهم الذي تلعبه تركيا في السورية ومواجهة تنظيم داعش.

الأزمة التركية الأمريكية في تصاعد ملحوظ، ومؤشر الخلافات بينهما لا ينبأ بخير أبدا، تحديدا بعد أن خرجت الاتهامات بينهما إلى العلن.

وتحول "أردوغان " نحو روسيا هو ليس بالأمر السهل الذي يمر مرور الكرام عند الولايات المتحدة، بل هو أمر جلل ومحظور، ولهذا كانت الراعي الرسمي للانقلاب التركي، وستكون حتما الراعي الرسمي أيضا لكثير من الفوضى والخطط المستقبلية على تركيا، بغض النظر عن التصريحات الرسمية التي تصدر عنها والتي تبدو فيها حمامة للسلام وراعي للديموقراطية.

وإلا لماذا أقدمت تركيا على قطع التيار الكهربائي عن "قاعدة أنجليك" القاعدة العسكرية الجوية الأمريكية في تركيا لإفشال محاولة الانقلاب مباشرة؟ ولماذا يعتقل الجيش التركي الجنرال "بكر أرجان فان" رئيس القاعدة بعد ساعات من الانقلاب؟ إن لم تكن تركيا على علم بأن الانقلاب يدار من أمريكا وليس من تركيا، بيد أن سفير الولايات المتحدة لدى تركيا "جون باس" التقى مرات عديدة بزعيم محاولة الانقلاب " أكين أوزتورك" و "بكر أرجان" قبل بدء الانقلاب بحجة مناقشة كيفية التعاون مع الأكراد في سوريا والعراق.
 

إن الأزمة التركية الأمريكية في تصاعد ملحوظ، ومؤشر الخلافات بينهما لا ينبأ بخير أبدا، تحديدا بعد أن خرجت الاتهامات بينهما إلى العلن، وبعد اتهام "أردوغان" للجنرال الأمريكي "جوزيف فوتيل" أكبر قائد عسكري في المنطقة بمناصرة الانقلابيين الذين حاولوا الإطاحة به، بعد أن صرح الأخير قائلا "بالتأكيد كانت تربطنا علاقات مع الكثير من قادة الجيش الأتراك، وأنا قلق تجاه علاقة البلدين إذا استمرت تركيا بسياسة الاعتقالات التي تنتهجها بعد محاولة الانقلاب".

ليرد عليه "أردوغان" يوم الجمعة قائلا: ليس الأمر متروكا لك لتأخذ مثل هذا القرار، من أنت؟ أحفظ مكانك، أنت تنحاز للانقلابيين بدلا من أن تشكر تركيا لتغلبها على الانقلاب. فيرد عليه "فوتيل" قائلا: إنه أمر مؤسف حقا، وعاري من الصحة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.