شعار قسم مدونات

امرؤ الفيس وجولييت تويتر

People holding mobile phones are silhouetted against a backdrop projected with the Twitter logo in this file illustration picture taken in Warsaw September 27, 2013. Social media power Twitter Inc plans to announce the departure of some major executives on January 25, 2016, technology news website Re/code reported on Sunday, citing sources. REUTERS/Kacper Pempel/Files
هو هارب من واقعٍ يقتاتُ على مُناه، يصل به جسر احتياجه إلى نفق مظلم من حقيقته، من وجوده كما هو عليه. يتساءل عن حلول تبعده قدر المستطاع عن شراسة الأقدار التي يرضى بها تماماً، بل يحياها متحولا بجسده عن الروتين القاتل، والذنب ذنب صاحبه الذي اعتبره فرض. هاربا ًمن التوقيت والفكرة، من المسؤوليات المزدحمة، وحتى إيقاع المتاح والموجود بين يديه يرتدي وجهه الآخر الذي يناسبه، ويبحث عن مكان آخر ليتجرد من مثاليته المفرطة، أو ربما ليبدو بمثالية مفرطة تهيئ له هالة أناس يكترثون به. يتقبلون حساسيته، عصبيته، أنانيته.

لا تلتجئ للرفض وتكذب، فالكذب بداية لدرب متعب من ملاحم مرهقة. المواجهة نهاية ألم وبداية سعادة، والهروب آني بحت لن ينفعك.

وفي الغالب يؤمنون بأن وراء هذا الغموض بحر هائج لشخص يستلقي على كتف الافتراض، لعل غفوته هنا تريحه من صراع حياة فشل في حله. هكذا هم بالغالبية، وهذا هو حال الجميع الناقمين على ذاتهم. هؤلاء الذين اختاروا الدروب بإصرارهم، يأتون هنا إلى عالم مستعار، يرتكبون به كل الحماقات التي يخجلون منها بقرب واقع نبيل يمثلون الأدوار به باحتراف، أو ربما يكملون مسيرة العلل النفسية التي ترافقهم في كل وقت، والأقلية من يأتون بوجه إيجابي يحلمون بازدهاره في مجتمع رخص لهم الحياة وباتت سلعة.

هؤلاء هم أقلية العالم الافتراضي، وهم المهمشون هنا على عكس الواقع الفاضح الذي تثار به الحروب لأجل الأقلية، إذاً نحن في عالم مواز لعالمنا لا يشبهه منقلب عليه، بل ومعارض له حتى في أدق التفاصيل.. الهيكلة ذاتها، البشر بذواتهم، والتعامل يفتقد للتعايش. يقال "لكل امرىء من اسمه نصيب" ولطالما رفضت الاقتناع بها، ففي عالم الافتراض ستقف تردد الاسم مراراً وتكراراً، تقرأ نبذة عن ذاك الشاب المدعو "أصدق رجل"، وهو في حقيقة الأمر يكذب بشأن حقيقته وأخلاقه المستعارة ومن يكون.

تلمح أحد المناصرين للمرأة وحقوقها يزمجر وفي واقعه رجل ظالم سلب حقوق نساء عائلته، "بريستيجه" هنا يمنعه من الإفصاح عن حقيقته.. تكمل اللائحة "الوفية" المرأة المتزوجة التي تضاجع الرجال من منطلق وفاء على مقاسها، لا لغة للجسد فيه، وكأن الخيانة معنونة بتلاقي الأجساد فقط؟ إذاً من هم؟ ربما يأخذك الفضول لتراقب، لتتعب نفسك بتعقب من هم يحيطون بك، تلتقي بأحدهم يحدثك عن أهمية الروح، فتقع في شراك "لم لا"؟
 

ربما تتخذ صديقاً للعمر رجلا ًهرم، يقبع في أحد العنابر النفسية، وتجعله الخليل لك، الناصح، والمعلم، لتجد نفسك في نهاية الأمر تأخذ الحياة من مهووس بلا عقل فتنكر ذاتك. وأيضاً، من الممكن أن تعدك امرأة متزوجة ولديها أولاد بعمرك بالارتباط، حالما تنتهي من دراستها الجامعية، وعندما تقرر طرق بابها يفتح زوجها بوجهك أبوابا، لتحتقر ذاتك. كم من عام ستبقى على عتبة بابها تندب غبائك وفشلك؟ وإلى متى ستبقى تعتبر النساء واحدة كاذبة وخائنة!

ربما تدخل قصة حب جارفة، وتعتلي عناوين التغريدات والمناشير في "السوشيال ميديا" وبعد عام من ارتباطك ب"فوفو" تكتشف بأنها صديقك، المشكلة ليست بردة فعلك، أو صدمتك ومافعلته بصديقك، المشكلة أنك أحببت "فوفو" ومحال أن تؤمن بعدم وجودها. ومن الممكن أن تحلم امرأة بإنجاب الأطفال من رجل أحبته لثلاث سنوات، كونه أعزب محاصر من السفر إليها بسبب ظروف العمل، لتكتشف أنه متزوج ولديه أطفال بعدد سنين علاقتها به.

احذر من ارتداء زي لا يناسبك، ستبحث عن سندريلا التي انتظرتك في يوم الوعد لما بعد ليلة شهريار، ولن تجد سوى حذاء يخطو على قلبك بقسوة، تُردد فلتغفري ولن تغفر.

هؤلاء الذين تثق بهم ثقة مطلقة على مبدأ إيمانك وأخلاقك، سيتركون صدمات للعمر، سيجزئون نفسيتك، سيهزمونك لا محالة. لأنك وببساطة الأمر عندما تعاشر الناس تأتيهم بكلك، لا تترك لنفسك درب رجوع منهم. وربما يحولونك من إنسان سوي لمريض نفسي، سنوات علاج مضاعفة لن تفي بحل أزمتك. ما الحل؟ ربما علينا أن نتنحى افتراضاً عن "امرؤ الفيس" ربما علينا الحذر من ملحمة "جولييت تويتر".. علينا التأكد بأن الناجح يهرب من علاقات واقعه لأنه لا يملك الوقت لها، لا هنا ولا هناك..

والوفية لن تكذب رغم قباحة واقعها، ولن تعد بلا توثيق، علينا الإيمان أن هذا العالم المجازي حفلة تنكرية، صف الجميلات لعبت مساحيق التجميل في إظهار مفاتنه، وصف الرجال الصادقين متأنق لأجل هذا الحفل ليس إلا. سيخلع الجميع ردائهم ما بعد منتصف ليل ثقة. أن ننكر ونكابر ونكذب أعماقنا، أمر سيعود بالخراب على أرواحنا. كن أنت وعلى حذر من أي مصادفة، فربما تكون امتحان، كن كواقعك وتعاطى البشر بجرعات أقل.. درب نفسك على القبول، لا تلتجئ للرفض وتكذب، فالكذب بداية لدرب متعب من ملاحم مرهقة. المواجهة نهاية ألم وبداية سعادة، والهروب آني بحت لن ينفعك، واجه بشخصك.

احذر من ارتداء زي لا يناسبك، فالضمير يقتات على أرواحنا، سيغفو ليوم وليلة وألف ليلة، ولكن في نهاية الأمر سيصحو بأعاصير ألم تترك بصمتها على روحك. ستبحث عن سندريلا التي انتظرتك في يوم الوعد لما بعد ليلة شهريار، ولن تجد سوى حذاء يخطو على قلبك بقسوة، تُردد فلتغفري ولن تغفر. ستدركين أن الذي طرق بابك ولم تفتحي له كان الذي تحبين، أصيب بخيبة أمل كبرى جعلته يُحرِّم الحياة، محطما في عزلته، لن يخرج وتلك العناكب الشاهدة على كذبتك، رسمت شباكا ًلتأسر روحك ندم..

لن يعود للحياة ولن تعودي من الوجع، أيها الافتراضي، أوهامك وكذباتك ضعها في زجاجة بعيداً عن متناول البشر، فالكل متعثر وهارب لمساحة حلم رمى نردها وينتظر معجزة، فلا تكن ظالماً تغتصب أحلام الآخرين وتقتل الخير في نفسك، الصدق اعتياد فزاوله ليسعد ضميرك.. كونوا أنتم..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.