شعار قسم مدونات

الطوارق.. عندما يكون الإنسان آخرا

طوارق

عندما تتجه بقدر من الاهتمام إلى ما بات يعرف اليوم بالساحل الصحراوي ستكتشف بعد بحث غير مضن أنك أمام شعب عريق، تظافرت فيه عوامل طبيعية مثل موجات الجفاف وسياسية متمثلة في حقبة الاستعمار وما تلاه من تقسيم وتجزئة وجفرافية، حيث تعتبر أرضهم الصحراء الأكبر على وجه الأرض مما يعني صعوبة العيش وقسوته.

تضافرت كل هذه العوامل وغيرها لتجعل من الطوارق وأرضهم مجهول يسكن مجهول، وأمام حالة مثل هذه كانت ثمة محاولات خجولة لتسليط الضوء على هذه المتاهة الصحراوية البشرية من عدة جهات فردية أو منطوية تحت مسمى مؤسسي مختلف الطابع، وعند محاولة تتبع تلك الجهود يمكن تسجيل بعض النتائج بحسب الجهة صاحبة النشاط واهتماماتها.

 إنهم يتعاملون معنا على أننا كائنات أثرية يجب أن تبقى كذلك إلى الأبد لتكون منصة لالتقاط الصور التذكارية.

ولو أخذنا الجانب الفردي كمثال لوجدنا أن الرحالة الأوربيين على سبيل المثال يجولون في تلك المتاهات في مغامرات قد تكلف أحدهم حياته، ورغم حالة الإهمال والتجاهل والنسيان التي يعيشها أغلب سكان الصحراء إلا أن أغلبهم لا يلتفت إلى الجانب الإنساني إلا ما ندر بل ينصب اهتمامه في الحديث عن العادات والتقاليد وسبل وأنماط الحياة، وهو في هذا الجانب يقوم باستثمار الحالة بالطريقة التي تخدم الهدف الذي جاء من أجله.

وقال أحد الخبراء من أبناء المنطقة -بحكم احتكاكه الدائم مع الأوربيين أفرادا وهيئات ومنظمات –  إنهم يتعاملون معنا على أننا كائنات أثرية يجب أن تبقى كذلك إلى الأبد لتكون منصة لالتقاط الصور التذكارية.

ودون إغفال بعض الجهود التي لا تعويل عليها في النهوض بهذا الشعب وإخراجه من العزلة المفروضة عليه، فإننا نلاحظ الاهتمام الطاغي بالجانب الثقافي والفني أكثر بمراحل من الاهتمام بالجانب الإنساني الذي فترض العقل أنه أولا في قائمة الاهتمامات.

ولعل الهبة الأممية والإنفاق السخي على إعادة بناء مقابر تمبكتو أكبر دليل على ذلك في مدينة يحفها الموت وتخنقها الآفات من كل اتجاه، فقد حظي أصحاب المقابر بما لا يحلم الأحياء بالحصول على النزر اليسير منه.

ولو ذهبنا إلى التعريج على الجانب السياسي فإننا سنواجه ملفا مثقلا بالتعقيد والتداخل تبعا لتنوع للاعبين وصناع الأزمة والحل، ففي الوقت الذي يعيش السكان حالة من التأقلم الإجباري مع ظروف لا حيلة لتغييرها في القريب العاجل، كان قدرا عليهم أن تكون رمالهم حلبة لصراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل حيث تسلل إليهم بقايا العشرية السوداء في الجزائر يتكون منطقتهم الساحة الجديدة لمواجهة سيكون الضعفاء وقودها.

وحتى يكتمل عقد الأزمات تثبت أركانه لم يفوت تجار المخدرات فرصة ارتخاء القبضة الأمنية في الصحراء مع تماهي بعض المتنفذين سياسيا لاستغلال الصحراء لتكون طريق حرير جديدة سالك آمنة قليلة التكاليف لنقل السموم من جنوب العالم إلى شماله ليدفع أنباء الطوارق ضريبة لأي موجهة بين كافة الأطراف.

ومع كل هذه العتمة القاتمة والظروف المحيطة فإن قدرنا أن نكون من هذه البقعة من العالم مما يضاعف علينا الحمل والمسؤولية في بذل كل ما من شأنه أن يرفع عنها غائلة الجهالة والتهميش والتهمة والإدانة في قضايا لم يكن الطوارق يوما طرفا فيها ولا سببا لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.