شعار قسم مدونات

اجعل لنفسك بصمة تبرز هويتك

البصمة

وهب الله سبحانه وتعالى لكل منا صورة خاصة به فقال "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" هود (118). كما وهبنا عز وجل عقل يستطيع التفريق والحكم بين الأمور فقال "إن في ذلك لعبرةً لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد" ق (37).

لقد وهب سبحانه وتعالى لكل منا بصمة خاصة به، بصمة تكاد تشبه إلى حد ما بصمة الأصبع تلك البصمة ليست إلا تلك الشخصية التي لا تشبه شخصية أحد آخر وتختلف بين الإخوة أنفسهم بل حتى بين التوائم، ولو شاء الله سبحانه وتعالى لخلقنا بصورة واحدة وشخصية واحدة، ولكن ليثبت المبدأ الذي ذكره سبحانه في كتابه العظيم ألا وهو "يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" الحجرات (13).

إن عدم وضوح هذا المفهوم لدى الكثير من الناس يجعلهم لا ينظرون إلى بصمتهم الشخصية التي يمكن أن يوجدوها، بل يقع معظمهم فريسة لذلك النوع من الوهم والخوف الذي يجعلهم يشعرون بأن بصمتهم واهية أو أنهم حتى لا يملكون واحدة في الأصل تجعلهم متميزن بها عن الآخرين.

 وهب سبحانه وتعالى لكل منا بصمة خاصة به تكاد تشبه إلى حد ما بصمة الأصبع تلك البصمة ليست إلا تلك الشخصية التي لا تشبه شخصية أحد آخر

وهنا يبدأون البحث ظانين أنه من الأفضل لهم أن يقلدوا بصمة أناس آخرين فقط لشعورهم بدونية ما يملكون، فيقعون حينها في مهاوي الإحباط عندما يشعرون أن تلك البصمة لدى أحدهم، فيحاولون جاهدين أن يلقدوها، الأمر الذي يتعبهم ويجعلهم منقادين غير قادرين على النظر إلا من خلال من يقلدون، متناسين بذلك ما حباهم الله عز وجل به من صفات خاصة، فإن فشلوا في تقلديهم بحثوا عن بصمة أخرى لدى شخص آخر ليعيدوا الكرة وتمضي بهم الحياة إلى منهاها فلا هم استخدموا بصمتهم ولا هم استطاعوا أن يقلدوا بصمة الآخرين.

وهنا تبرز أهمية استثمار وتنمية ميزة مهمة توجد داخل كل منا بدرجات مختلفة تلك الميزة هي "الجدلية" التي تبرز الهوية التي حبانا الله إياها، ولا يٌفهم من "الجدلية" هنا تلك الكلمة السلبية المقصودة في الجدل لأجل الخلاف مع الآخرين، وإنما جدلية المنطق جدلية الحق والباطل جدلية النظر في ما يصلنا من الصور والأخبار والحوادث، والآراء التي تصل إلينا عن طريق بصمة الآخرين، وعدم التسليم والقبول بها على ما هي قبل النظر والتمحيص والبحث والتفكر فيها ومحاولة إزالة ما يعلق فيها من الشوائب.

كما يفعل أولئك الذين يستخلصون الذهب من الرمال من أجل أن يعيدوا صهره فيخرجون قطعة ذهبية رائعة. وسيكون للإنسان ذو الجدلية هويته التي ستخرج قطعة "فكرية" تفوق بقيمتها القطعة الذهبية لأنها ستدوم على مدى الأجيال، وتبرز تلك البصمة التي حبانا الله إياها. حينها يكون الانسان قد حقق ذاته واستطاع خلق هويته بعيداً عن آراء الآخرين التي تسم ما يجب عليه أن يراه أو أن يقوله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.