شعار قسم مدونات

كيف وصلوا؟ مايكل فاراداي رمز "المعافرة"

blogs - faraday

في مواجهة مكتبه كان إينشتاين يضع أمام عينيه ثلاث صور لثلاثة علماء كان يعتبرهم مصدر إلهامه "إسحاق نيوتن ومايكل فاراداي وجيمس كلارك ماكسويل".

مايكل فاراداي في رأيي هو أحد أهم العلماء في العصر الحديث.. وليس ذلك فقط لأن تجاربه واكتشافاته فتحت الطريق أمام العديد من المجالات العلمية مثل الكهرومغناطيسية ولكن حياته وكفاحه وقصة صعوده و"معافرته" هي ما تجعله يحتل مكانة خاصة بين علماء العصر الحديث.
 

فارادي عاش في عصر كان العلم فيه شبه حكر على الأثرياء، ولأن فاراداي لم يحظ بفرصة تعليم أكاديمي فقد أخذ على عاتقه تعليم نفسه بنفسه. كان الانضمام للدوائر العلمية البريطانية أمرا بالغ الصعوبة ويكاد يكون بالوراثة وحكرا على الأثرياء، ولم يكن فارادي يستطيع الولوج لعالم العلم عن طريق الوراثة، فوالده مجرد حداد ولم يكن فقره يعينه على الالتحاق بالجامعات.
 

فارادي عاش في عصر كان العلم فيه شبه حكر على الأثرياء، ولأن فاراداي لم يحظ بفرصة تعليم أكاديمي فقد أخذ على عاتقه تعليم نفسه بنفسه

شغف فاراداي بالتعلم والقراءة كان واضحاً منذ صغره، فكثيراً ما كان يقف أمام زجاج عرض مكاتب طباعة الكتب متأملاً الكتب. صاحب أحد مكاتب طباعة الكتب لاحظ ذلك وعرض على فاراداي العمل عنده كساعي في 1804م، كان عمر فاراداي 13 عاماً، بعدها بعام قدم له عرضاً ليصبح متدرباً (apprentice) عنده.
 

كان نظام ال"apprenticeship" يلزم المتدرب بالعمل عند صاحب العمل لفترة محددة من الزمن ويدفع مقابل تعلمه الحرفة مبلغاً معيناً من المال، لكن صاحب محل الطباعة أعفى فاراداي من دفع رسوم التدرب لفقره ولأنه وجد فيه اهتماماً كبيراً بالكتب. كان على فاراداي أن يتعلم كيفية ربط الملزمات ليصنع كتاباً وكيف يبيع الكتب.
 

صاحب المطبعة سمح لفاراداي بأن يقرأ الكتب التي يعمل عليها، كانت قراءات فاراداي في تلك المطبعة هي بداية طريقه ليصبح واحداً من أبرز علماء العصر الحديث. كان كتاب "Improvements of mind" والذي كتبه القس وعالم الأديان والمنطق "Issac Watts" في القرن الثامن عشر من أهم الكتب التي قرأها وتركت أثراً كبيراً عليه. حيث تعلم من الكتاب أن يهتم بكتابة ملاحظاته وأفكاره بكل دقة وتفصيل وهي الخصيصة التي ستصبح نقطة قوة وتميز فارادي، والتي فتحت له الأبواب بعد ذلك.
 

كان فاراداي حريصا على حضور محاضرات علمية مخصصة للعامة، وكان يدون ملاحظاته بكل دقة ويضيف رسومات توضيحية. في الفترة بين 19 فبراير 1810 و26 سبتمبر 1811 حضر فارادي 13 محاضرة ودون ملاحظاته في 4 كتب، عندما اطلع عليهم أحد أصدقاء صاحب محل الطباعة الذي كان فارادي يعمل فيه أعجبته بشدة لدرجة أنه منحه تذاكر مجانية لمحاضرات أحد أشهر علماء الكيمياء وقتها "العالم الإنجليزي Humphrey Davy".
 

التزم فاراداي بعادته في تدوين كل ملاحظاته عن المحاضرات مصحوبة برسومات توضيحية دقيقة جداً، صاحب محل الطباعة وصديقه حثّا فاراداي أن يرسل ل"دافي" ملاحظاته في صورة كتاب في ديسمبر 1812م.

في يناير التالي ساعد القدر فاراداي في التقدم خطوة أخرى في طريقه، فخلال إحدى تجارب دافي العلمية أصيبت عينه وكان يحتاج لعدة أيام من الراحة وكان في حاجة لمساعد في مختبره يدون الملاحظات. كان عمل فاراداي بصورة مؤقتة في معمل دافي ولكن القدر عاد ليقف بجانبه بعد رفض مساعد دافي وأخذ فاراداي مكانه كمساعد لدافي.
 

ظل فاراداي مساعدا لدافي حتى يناير 1824م، في البداية كان عمله هو غسل أنابيب الاختبار والعناية بالمختبر، وعندما شرع دافي في رحلته مع زوجته وخادمتها حول أوروبا في 1813م اصطحب فاراداي معه، كان فاراداي بمثابة ساعي للزوجين يقوم على تلبية طلباتهما.
 

فاراداي.. حتى في عشريناته عندما كان عمله هو مسح المختبر وتنظيف أنابيب الاختبار لم ييأس.. لم يتوقف عن التعلم وتدوين الملاحظات والأفكار.

بدأ فاراداي يساعد دافي في أفكار بعض التجارب وحلول بعض المشكلات التي كانت تعرض عليه. بعد قرابة 8 أعوام حقق واحداً من أهم إنجازاته العلمية في عالم الكهرومغناطيسية بعدما استطاع أن يصل لفكرة الموتور الكهربي. وفي 1824م ، بعد 11 عاماً من العمل كمساعد لدافي والعيش في غرفة صغيرة فوق المختبر أصبح فاراداي أخيراً عضواً في الجمعية الملكية للعلوم وكان عمره وقتها 33 عاماً، قضى فاراداي تسع منها في العمل في مكتب الطباعة وأحد عشر عاماً في العمل كمساعد لدافي.
 

قصة معافرة فاراداي ملهمة فعلا وهي خير دليل على أنه لا مكان لليأس في قاموس من أراد الوصول.. تعثر مرة والثانية.. حاول الوقوف.. تعثر مجدداً مائة مرة.. استمر في المحاولة لأنك عندما تصل ستقف عالياً.
 

فاراداي مستقبله كان متحددا،  فإما أن يكون حداداً كأبيه أو في أفضل الحالات صاحب محل لطباعة الكتب، لكنه كان يرى نفسه في مكان أبعد كثيراً من كل ذلك، حتى في عشريناته عندما كان عمله هو مسح المختبر وتنظيف أنابيب الاختبار لم ييأس.. لم يتوقف عن التعلم وتدوين الملاحظات والأفكار.. لذلك عندما وصل كان قد استحق أن يُحفَر اسمه في سجل العظماء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.