شعار قسم مدونات

فلسطين تبدو قريبة من أزقة المخيم

blogs-فلسطين

الفقر، الجوع، البطالة، وكثيرٌ من الأمور السيئة هي ما يخطر في بال المرء حين يُذكر المخيم، أقصد هنا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ولست هنا في صدد درء تلك التهم عن المخيمات التي عشت في إحداها منذ ولادتي وحتى هذه اللحظة، فكل ما يُذكر موجودٌ فِعلاً ولا أرى سبباً لهُ سوى الجهل والتكدس وانتقاص الحقوق، لكن ما أريد أن أتكلم عنه الآن هو ما أضاف المخيم لأبنائه، وبأيِّ شيءٍ ربطهم.

المخيم حالة فريدة من الارتباط بالوطن، فبالمخيم كل شيءٍ ذو دلالةٍ سياسيةٍ ترتبط مباشرةً بنظريةٍ تقول: أن لِ "إسرائيل" يدٌ في كل مصيبةٍ مهما كان حجمها، من انقطاع الماء عن جدي وقت استحمامه إلى ضرب غزة بالقذائف. في المخيم تجد ابن الخامسة يعلم أن أصوله من فلسطين من تلك القرية تماماً التي سأقسم أنك ما سمعت اسمها إلا من فمه، فهو يعرف اسمها، تضاريسها، حدودها، لأي مدينةٍ تتبع، أشهر مزروعاتها، أبطالها وكيف هجِّر أهلها، حتى أنه يعرف شيخ البلد مع أنه لم يراه بل لم يراه أبوه، ويعرف أيضاً قصة اللجوء، وأين مرَّ جده قبل أن يستقر هنا.

لن تنسى فلسطين وأنت تسمع بائع الفجل في سوق المخيم يُحلِّلُ النظام العالمي ويكشف الخونة ويشتم من ترك المقاومة.

في المخيم خيّب الجيل الثالث والرابع من اللاجئين أمل "مائير" القائلة: يموت الآباء وينسى الأبناء، ها هم الأحفاد اليوم أكثر إصراراً على التحرير من أجدادهم، في أيام الحروب على غزة ترى المخيم في حالة طوارئ وكأنَّ الحرب هنا، أصوات التكبير، هتافاتٌ تمجِّد المقاومة، أعلامٌ خضراء وأخرى حمراء، صور الياسين وأبو علي مصطفى وصورة عرفات من فتحاوي شريف ما زال يؤمن أن حركته ستعيد ضبط البوصلة، تسمع زغرودةً تنعى شهيداً قد ارتقى قبل دقائق وترى أعراس الشهداء، فأبناء العمومة هنا لا تسعهم الفرحة إذا استشهد من تبقى من عمومتهم هناك، المخيم باختصار هو أرضٌ قطعت من فلسطين وألقيت بالجوار، فلسطينية هي بهواها وأنفاس أهلها فلسطينية بكل ما فيها.

لن ينسى الأطفال أنهم من هناك من الأرض المحتلة، فهم يستيقظون كل صباح ويرون على جدران منازلهم عباراتٍ تسحبهم هناك، لن تنسى فلسطين وأنت ترى "العودة حقٌ كالشمس" و"عياش حيٌّ لم يمت" في كل شارع أو زُقاق، لن تنساها وعلى جدران مدارس الأونوروا خريطتها، قبتها الذهبية، صورة أسدها الرنتيسي وشعار العاصفة، لن تنساها وأنت ترقص في عرس صديقك على نغمات "هبت النا " وأغاني ميس شلش وفرقة العاشقين، لن تنساها وجدك يُردد كل نهار "فلسطين داري ودرب انتصاري، تظلُّ بلادي هوى في فؤادي".

لن تنسى فلسطين وأنت تسمع بائع الفجل في سوق المخيم يُحلِّلُ النظام العالمي ويكشف الخونة ويشتم من ترك المقاومة، لن تنسى فلسطين وأنت تراها بحكاياتِ جداتِك وعيون جارتك العجوز، لن تنساها ما دمت بين أسوار المخيم، فالمخيم يعكس صورةً حقيقيةً لفلسطين فتراها ولو عن بعد زاهيةً مُحتلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.