شعار قسم مدونات

سبعُ سنبلاتٍ.. سبعُ سنواتٍ.. سبعٌ لا تنتهي

blogs - human
ولولا رِبقةٌ من إيمان بقيت في صدر ذلك المهاجر لقنط من رحمة ربه، أو آيس، وكثرٌ هم من قنطوا وآيسوا، ولئن سألتهم عن حالهم ليقولنَّ: الله كريم، بيفرجها ربكز وفي العين حكايات.

في البداية هدهدنا المخاوف، إن هي إلا شهور وستمر، الأزمة العاصفة سترحل قريبًا، وكان الوأد مصير التحليلات الأكثر تشاؤمًا، بسنواتٍ، أو ربما أكثر.

هل بقي هناك من يعدّ، هل هناك من سيقول: لقد أخطأنا العدّ والتأويل، ليست سبعًا عجاف ولم يكن ما سبقها من تحسّن في الأحوال سبعٌ سمان.

هي ذا خريطة العالم تتجه نحو العبثية البشرية من جديد، لن تعود الحدود هي الدول، ولا الحكّام هم الحكام، حتى الشعوب فقد شحنوا في طرودٍ عاجلة أوفرها حظًا من وصلت بلاد الغرب ونالت صفة اللجوء واستحقت حق الإقامة ولو كانت مؤقتة، ثم ينهار سلم الحظ، ما بين إقامة غير شرعيّة، أو رحلة غير ناجحة عبر عباب البحر وموجه، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الذين أمنوا بحيواتهم ليسوا آمنين على قيمهم ومعتقداتهم، فهناك شكلٌ آخر للحياة، وهيكلية تفكير مختلفة، بل ونظم لا تتوافق مع الكثير من ثوابتهم، فهم على حدّ السيف هناك!

وانتهاءً بالقابعين هنا، في مخيماتٍ من ملح ودمع، أو في أوضاعٍ مؤقتة في بلاد تتحدث بلسانهم ولكنها تتململ من وجودهم وهي المثقلة أصلًا بمشاكلها.

هل بقي هناك من يعدّ، هل هناك من سيقول: لقد أخطأنا العدّ والتأويل، ليست سبعًا عجاف ولم يكن ما سبقها من تحسّن في الأحوال سبعٌ سمان، لم يكن هناك أي تمهيدٍ لما جرى، على كل الأحوال ليس هناك من تبريرٍ منطقي لكل ذلك، لقد أشعل البوعزيزي فتيلًا أحرق الأخضر واليابس في المنطقة!

يهزّ آخر رأسه متعجبًا من هذا التحليل: إنها الأنظمة يا عزيزي، هي من أشعل الفتيل وأحرق الأخضر واليابس في المنطقة، تداول غير سلمي للشعوب، وإعادة هيكلة، مؤامرة يا أخي.

وفيما يعدّل مراقبٌ جِلسته يقول: مع احترامي لكليكما، فإن النظام العالمي يجري تغييراته وفقًا لمصالحه وانظروا لخريطة الأحداث، ثوراتكم لم تبدأ منذ البوعزيزي بل سبقتها بأمد، وعلى كلٍ فنحن متّفقون على أنّ ما يجري خارج نطاق الفرد، والمجموع الشعبي، هم أحجار شطرنج لا أكثر، فلن تقف كرة النار حتى تنهي لفّتها المفترضة!

كم ستدوم هذه السبع العجاف لو أطلقتها؟! هل من يوسف يخرج بالحل لأولئك الذين يقطعون الموت مرارا كل يوم، الذين تبدّلت أحوالهم وانقلبت حيواتهم رأسًا على عقب؟!

ما عاد عقلك يميّز أبيض الأحداث من أسودها، فالدّم طاغٍ على كل رقعة، والقهر يخرج مع آخر أنفاس الذين يرحلون كل يوم؛ للسماء.

لا تحدّثهم عن مجلس الأمن ولا مجلس الأمم المتحدة، ولا تزرع في نفوسهم أملًا بانفراج عبر المنظمات الدوليّة التي لا تقدّم سوى الوعود، ولا تنفكّ تتحدث عن حل سياسي مرتقب، محتمل، منتظر، إلخ.

فقد يأسوا منها وملوا مللهم من الخطابات الرنانة والجلسات الطارئة بل والروتينية، فما يجري بات روتينيًا أكثر مما يلزم!

أمّا الحلول العسكرية فقد ظهر أنها تكريس للأزمة وانغراس فيها، فهي لم تكن في الاتجاه المطلوب ولا الصحيح، ولم تكن على قدر الحدث في توقيت التدخّل، بل إن ألف علامة تعجبٍ واستفهام وعلامات غمز ولمز، بل وحديث صريح عن أن التدخل هو لصالح طرف على أطراف، وأنّ ما يجري على الأرض ينقله الإعلام نقلًا أعورًا.

تجلس أنت خارج الحدث ولست بخارجً عنه، مسّتك السبع بلأوائها وما عاد عقلك يميّز أبيض الأحداث من أسودها، فالدّم طاغٍ على كل رقعة، والقهر يخرج مع آخر أنفاس الذين يرحلون كل يوم؛ للسماء، للبلدان المجاورة، سيان.. ما عاد هناك من قيم بشرية بل إن قيم الغاب هي السائدة، ولئن سألت أبسطهم منطقًا : متى تنتهي هذه السبع؟! لأجابك في يقين: بيفرجها ربك، الله بيعين!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.