شعار قسم مدونات

إنّه فصل الخريف.. هل أخبرتك!

خريف11

حلّ فصل الخريف الآن، هل أخبرتك؟، أوراق الشجر تميل للاصفرار واليباس، لم يعد قوامها كالسابق ليس كالربيع غضّة مرنة مثلا أو كالصيف صلبة وكثيرة العصارة مثلا، بدأت قواها تنهار، إن أي ريح تهب حواليها قادرة على إسقاطها أو حتى حملها بعيدا جدا عن موطنها، الناس ترتجف ليس بردا، ولكن خوفا من أن يحبس المطر!

رغم أنه لا يحبس، لم يمرّ بنا عهد حبس المطر عنّا فيه، لا أذكر أن رحمة الله رفعت عنّا، فلا زالت العجائز منّا تستغفر صباح مساء، ولا زال الصغار يمرحون في أروقة المساجد، ولا زال قلب المؤمن فينا يتدفقُ شوقا كلما ردد المؤذن "خير من النوم".

لكنهم بكل الأحوال فزعون، هم دائما فزعون حتى حين لا يحدث أي شيء، يحسبون حسابات ما لا يحدث أكثر مما يعايشون ما يحدث، لهذا لا أحد يلتفت إليه حين تصبح الأجواء دافئة فحسب لا حارّة خانقة ولا باردة مميتة، تتفاوت درجات الحرارة يوما بعد يوم، تلوّحنا كما الأوراق المتساقطة تؤرجحنا كما الأحلام والأمنيات، كما كل الأشياء التي نحب، تروح تارة وتجيء أخرى دون اكتراث.

إنه فصل الخريف، هل أخبرتك؟ يملأ عادة دواليب هذا الكيان فوضى قبل أن يلمّ شتاته ويرحل، وعادة ما يعبث بإعدادات الحياة ويتركها دون ضبط قبل أن يرحل!

كم نبتعد عن أوطاننا حتى ندركها! منهم من يقرئ الصيف السلام مستودعا مودّعا ومنهم من يستبشر بموسم الشتاء، وهذا المهيب الصامت الأوفر حضنا (الخريف) يمرّ بصمت، يتلوّن مبكرا كبرتقالة لم يتعجّل أحد قطافها فظلّت حتى الاستواء تتدلى أسفل غصنها الأخضر، وكحبات شاطيء رملي، لحظة وارت الشمس بياضها خلف الأفق، كيف لا يدرك جلّهم أنه بداية البدايات، والشعرة التي يتدارك الصيف فيها الموت المحقق في الشتاء.

إنّه احتفالات الطيور المهاجرة في السماء التي تتوسدها الغيوم، واختباء للنمل والنحل التي كانت تنتصب ممالكها النشطة صيفا، إنّه تكوّر الندى فوق زجاج النوافذ برقّة وعذوبة لتمسحه الأيادي في الصباح الباكر.. لا أحد يقف ليتأمل الخريف! تطويه الأيام تتعجل مروره وهو كمتيّم يتمطى بين يدي محبوبته حتى تجلي عنه النعاس، لكنّها لفرط انشغالها.. لا تفعل!

إنه فصل الخريف، هل أخبرتك؟ يملأ عادة دواليب هذا الكيان فوضى قبل أن يلمّ شتاته ويرحل، وعادة ما يعبث بإعدادات الحياة ويتركها دون ضبط قبل أن يرحل! لهذا يبدو الخريف أكثر صمتا.. فإعادة الترتيب بعد الفوضى.. وإعادة ضبط الإيقاع ليتواءم مع فصل جديد هي من مهمات الخريف..

والمطر الذي سيسكبه الشتاء في الروح يزيد في بشاعة المشهد، يعرّي الجروح  فتتكشّف أمام ذواتنا لتصبح أكثر إيجاعاً ! أوَلا يكفينا هذا!!.. يكفينا وحشة تستشعرها الروح شتاء.. إنّه الخريف في تمام الشوق والحنين في اكتمال الحَوْل.. في البدايات.. في النهايات.. في تمام دورة الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.