نعم، أنا فقاعة أكتب هذه الكلمات بحثاً عن الشهرة ونيلاً للإعجاب، أبدأها بالعربية الفصحى حتى ألفت انتباه أشباه المثقفين، أنشرها هنا حتى تغطيها ثقة المدونين.

لماذا هذا العنوان؟
لأن الفقاعة هي الكلمة التي تعبر عما سأكتب بالطريقة الصحيحة فهي تعني اصطلاحاً "كرةً مملوءةً بالهواء مكونةً من غشاء سائل "رقيق" تتطاير في الهواء".

عندما كنت طفلاً ، كنت أنظر إلى هؤلاء الذين يُصنّفون على أنهم شخصيات عامة ومشهورة، لم أكن أدرك حينها مقياساً للشهرة، إلا أنهم كانوا يحظون بلفت انتباه الجميع، كل ما يدور في ذهني حولهم أنهم أصحاب قوى خارقة، قد يكونوا ممن أمدهم الله من حكمته.

كان واضحاً أنه من الصعوبة بمكان أن تصبح شخصيةً عامةً بدون الكمّ الهائل من القراءة والإطلاع والبحث، حتى العمر، كان عاملاً مهماً في الصعود والحصول على مكانة بين الناس، إذ كان من الصعب أن تتقلد منصباً مؤثراً في قلوب الناس قبل أن تبلغ الأربعين.

كبرت "قليلاً" لأكتشف أن هذه المعايير قد اختفت واستُبدلت بمعايير أسهل وأقرب إلى "المستهلك".

لقد أصبح واضحاً بعد الفوضى العارمة التي انتشرت بسبب مواقع التواصل الإجتماعي، أن ترى الشخصيات العامة القديمة هربت إلى زوايا المكتبات وظهرت الشخصيات العامة الجديدة، ومن أحب أن أطلق عليهم "الفقاعات".

لقد كنت غبياً حينما اعتقدت أن العمر قد يكون عائقاً أمام الظهور أو أن القراءة والثقافة ستكونان متطلبان لذلك، المتطلب الوحيد في هذه الأيام هو أن تمتلك جهازاً موصولاً بالإنترنت.

نعم ، الجهازُ الموصولُ بالإنترنت هو الحل، كل ما عليك هو أن تتبع الخطوات البسيطة التالية:
1- أنشئ حساباً على فيسبوك وآخر على موقع "Ask" وثالثاً على منتديات "احصل على متابعين مجاناً".

2- فكر قليلاً بإنشاء حسابك الخاص على سنابشات، ثم اترك الموضوع قليلاً وتفرغ للفيسبوك في مرحلتك الأولى.

3- اجعل حسابك على فيسبوك مميزا، يحتوي على الغموض وعلى الكلمات التي تدل على ثقافتك، لا بأس بقليلٍ من الإقتباسات من الشاعر محمود درويش رغم أنك لا تتفق معه، لكنها متطلبات التجميل، واكتب في وصفك كلمات منمقة، إياك أن تجعلها مباشِرةً وسهلةً للفهم على المتابع، وابحث لك عن بيت شعر يحتوي على اسمك واجعله يظهر في هذا الوصف.

4- ابحث لك عن صورةٍ مميزة، أي صورة قد تجلب لك الإعجاب، حاول أن تختار واحدةً تبدو فيها مرهقاً بسبب إنجازٍ معينٍ يبدو جلياً للمتابع في الصورة، طبعاً اختارها لتبدو وكأنك غير مكترث لمن قام بالتقاط الصورة.

5- الآن ادخل على غرفتك وانظر إلى المرآة وتحدث إلى نفسك، أنت الآن شخصية مهمة، شخصية عامة لديها الكثير من المتابعين والمعجبين، واصل وقوفك حتى تستطيع أن تقنع نفسك بذلك وإلا لن تستطيع إقناع غيرك.

6- ابحث عن طريقه لزيادة عدد المعجبين حتى لو اضطررت لشراء "الإعجابات"، لأن المجتمع يثق بالمنشور الذي يمتلك الكثير من الإعجابات.

7- اجعل صداقاتك مفتوحة، اسعَ لها في البداية ثم ستجدها تسعى لك، أضف أصدقاءًا من كل مكان واحرص أن تتابع الشخصيات العامة "مثلك".

8- أَشعر المتابعين بأنك على علاقة شخصية بالكثير من الكتّاب والساسة والمثقفين، على سبيل المثال انشر صورة لأحد السياسين المهمين في بلدك واكتب عليها "أفتقدك بشدة، لقد أرهقتك السياسة وأصبحنا نراك مثقلاً مهموماً، لا كما اعتدناك مرحاً ومفعماً بالحياة" لا أحد سيشك بطبيعة علاقتك معه حتى هو، سيستغرب في البداية  ثم سيلقي اللوم على نفسه وأنه قد نسي أين تعارفتم، صدقني في أول لقاء لك فيه على أرض الواقع سيحتضنك بحرارة، حتى لا يشعر بالذنب تجاهك.

9- اكتب في كل المواضيع وخالف الجميع، وإياك أن تكون متوافقاً مع آراء المجتمع، لأنك لن تلفت الانتباه، ستهاجم في الكثير من الأحيان، لكن لا يهم ستجد من يدافع عنك باستماتة.

10- تكلم تارةً من منبر المثقف، وتارةً من منبر المحلل السياسي، حتى في الرياضة اجعل لك آراءك الخاصة، ستجد ذلك سهلاً جداً، لا بأس في البحث على "google" عن بعض الكلمات التي تجعلك مطّلعاً حقيقياً على الموضوع.

11- انشر كل تحركاتك وأي نشاط تقوم به، وحاول أن تبدو صاحب المشروع والإنجاز، ستضطر هنا إلى "القليل من الكذب" ، لا بأس ستعتاد عليه بعد مدة.

12- اكتب في المواضيع التي تمتلك جمهوراً واسعاً جاهزاً للتفاعل، هاجم أي حركة إسلامية على سبيل المثال، أو اكتب حول الزواج المبكر، أو انشر خبراً مثيراً للجدل.

13- عندما تشعر أن الموضوع الذي ستكتب فيه سيكون التفاعل معه قوياً، لا داعي للكتابة افتح الكاميرا في جوالك وأخرج للمتابعين ببثٍ مباشرٍ حول هذا الموضوع.

14- انشر حسابك على "Ask" وأجب عن كل الأسئلة الموجهة لك بذكاء، وبكلمات دقيقة وبعد البحث في "google" عن إجابة تليق بمقامك الكريم.

15- ابحث عن كتاب لا يقرؤه إلا من كان مثقفاً حقيقياً، وافتح صفحة عشوائية وضع خطاً تحت جملةٍ مميزة، والتقط لها صورة وقم بإنزالها على حسابك معلّقاً عليها "كلمات عميقة للكاتب فلان".

أرأيت  الموضوع غاية في السهولة، لا يحتاج إلا للقليل من النفخ، لكن تذكر أنّ الفقاعة تمتلك غشاءًا "رقيقاً" وقد تكون معرضاً للخطر في أي لحظة، لذلك ابتعد عن الرؤوس المدببة التي تشكل لك مصدراً للتهديد. صحيح أن الفقاعة "فقاعة" ولكنها ما كانت لولا "النّفاخين".

حتى هذا المنشور هو حالة فقاعية ضخمة… وسيعجب بها الكثير منهم، وستَكبُر فقاعتي أيضاً. سننفجر يوماً ما بلا شك، وسيعرفنا العالم على حقيقتنا، وسنختلط بالهواء وسنصبح غير مرئيين. لكننا سنحرص أن يكون ذلك اليوم أبعد ما يكون، وأن نكون حينها قد وصلنا إلى حجمٍ يرضي شهواتنا وذواتنا على الأقل.