شعار قسم مدونات

2016 وشريعة موسى

blogs العدل

إن المتأمل في عالمنا الحديث ونَحن على أعتاب سنةٍ جديدة من عصر التكنولوجيا والتطور، وما يحدث في جميع مناطق العالم بلا استثناء يرى جلياً بأننا أمام مُعضلة كبيرة تفاقمت مع مرور الأزمنة على الرغم من وضوح القوانين الإلهية بها.

فمنذ أن خلق الله تعالى الجنس البشري في الكرة الأرضية، لم يَرتدِع الانسان قديماً عن القتل وسفك الدم والتدمير والإفساد بالأرض بشتى الوسائل، ولا نستطيع نحن أن نلومهم في تلك الحقبة لعدم وجود تشريع، وحكم إلهي يُجرم أو يَحدُّ من هذا الفعل إضافة لخضوع الإنسانية إلى تراكم للقيم الأخلاقية عبر العصور.

ولعلنا نُذكركم بأول عملية قتل وردت في القرآن الكريم وهي قِصة ابني آدم عليه السلام قَابيل وهَابيل في الآيات (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وذلك جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) سورة المائدة.
 

اليوم إن اختلفت مع أحدٍ فلا رادع لديهِ على أن يقتلك بِدم بارد، بل وصلنا لدرجة المفاخرة وتوثيق أبشع عمليات القتل.

ولم يُعرف لدى البشرية كما ذكرتُ سابقاً حكمٌ للقتل من تلك العصور إلى أن تَنَزلتْ التوراة على نبي الله موسى عليه السلام حيث بَينتْ شريعة رب العالمين في القتل مصداقاً لما وردَ في القرآن الكريم (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) سورة المائدة، وهي تحريم رب العالمين ولأول مرة قتل النفس بِغير نفس بشكل أبدي وشمولي، ولم يُخصص سبحانه هذه النفس بأي صفة كإِتباع دين أو مَذهب او أي تصنيف من التصنيفات الدَارِجة والتي يجري فيها القتلُ بلا رادع.

بهذا التشريع الأبدي كفلَ الله تعالى الحياة الكريمة للنفسِ البشرية وحَفظها وجرَّم قتلها، وهذا لكي يقوم الإنسان بعبادة خالقهِ على الوجه الأكمل، ومِن ثُم قِيامه بتعمير الأرض والتقدم بشتى العلوم وتَسخير مُقدرات الكرة الارضية لسَبيل بقائهِ وخدمته ِوراحته، ولا يَستقيم هذا مع بَقاء خوف الإنسان على حياتهِ من إمكانية القتل لأي سَبب غير مشروع.

اليوم إن كنتَ تختلف مع أحدٍ ما مُجرد اختلاف فقط ولو كنتَ من ذوي القربى، فلا رادع لديهِ على أن يَقومَ بقتلك بِدم بارد ليس هذا وحسبْ، بل ووصلنا لدرجة مُهينة من المفاخرة بذلك وتوثيق أبشع عمليات القتل والإمعان في الإفساد، وما يَحصل بالعالم من التفنن بعملياتِ قَطع الرؤوس والتمثيل بالجثث إضافة للقدرة التدميرية الإجرامية لوسائل القتل والإفناء الحَديثة، إلا دليلٌ بسيط على توالي سقوط الأخلاقيات والقيم الإنسانية التي يَرتكبها الإنسان بحقِ أخيه الإنسان، فضلاً عَن مُخالفة ذلك لجميع الشرائع السماوية.

لذلك أتساءل بمرارة.. هَل نَحن فِعلا نَعيش في العام ٢٠١٦ بمفهومه من التطور والحداثة، أم نَعيش في غَياهب عصر موسى عليه السلام؟ فلا أكاد أجد فرقاً جلياً وواضحاً بين ما نشاهده الآن جميعاً وبصمتٍ مطبق وبلا استثناء عنما كان يحصل قبل أن تتنزل شريعة موسى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.