شعار قسم مدونات

بلادة الاستبداد بين المشرق والمغرب

blogs - revolution

في أيام معدودات من ربيع إحدى السنوات، هبت ريح طيبة على منطقتا العربية، حملت معها ما تيسر من انتفاضات واحتجاجات وثورات، فاهتزت على إثرها بعض العروش، وأسهلت عديد من الكروش! وارتبكت من جرائها كثير من الأجهزة والجيوش، وبالتأكيد سقطت بعض الاحجام الكبيرة من الرؤوس!

ولكن بعد عام فقط من تلك الثورات الشعبية، انبعثت موجة مضادة من الانقلابات الرسمية، مدعومة بقوة من بعض القوى الإقليمية والدولية، وبمباركة واضحة فاضحة مما تبقى من فلول التيارات اليسارية واللبرالية والعلمانية، وذلك نكاية في الفائزين بجدارة عبر الصناديق من التيارات والقوى الإسلامية..

سربت مصادر مقربة من السيسي حينها، أنه لن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية، مهما تعرض من ضغوط شعبية، بل إنه "استخار ربنا وراض عن قراره.."

في غضون ذلك دُشنت حملات النكوص والاسترداد لاستعادة الاستبداد العربي المنهار، وتمت ملاحقة الفائزين من "الأشرار"، ومن شايعهم من الأتباع والأنصار، وكذا المنصفين من الأحرار، والهدف إجهاض "الفتنة" واحتواء ما خلفته من بلبلة واضطراب وأضرار.

شيء من التاريخ:
الجمهورية العربية المصرية:
في الوقت الذي كان عامة الشعب المصري يدرك بحسه الذكي أن ما قام به الفريق أول عبد الفتاح السيسي، هو انقلاب كامل الأركان، وأن مسألة تبييضه وإعلان نفسه رئيسا للجمهورية هي مسألة وقت فقط، كان وزير الدفاع وحاشيته وأبواقه الإعلامية تصر على أن الرجل وطني غيور وزاهد في الحكم والسلطة والرئاسة!

وهكذا خرج العقيد أركان حرب أحمد محمد علي، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، وقال بوضوح وصراحة نادرة: إن الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، نفى أكثر من مرة نيته الترشح لرئاسة الجمهورية..

كما سربت مصادر مقربة من السيسي حينها، أنه لن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية، مهما تعرض من ضغوط شعبية، بل إنه "استخار ربنا وراض عن قراره.."

ولكن بعد حين من الدهر كانت "المفاجأة" التي يعرفها وينتظرها الجميع، تقدم الزاهد العسكري بأدب جم أمام شعبه وقال بصوت رخيم: أنا وبكلِّ تواضعٍ أتقدمُ لكمْ مُعلِناً اعتزامي الترشح لرئاسةِ جمهوريةِ مصرِ العربيةَ.. وتأييدكم هو الذى سيمنحني هذا الشرفَ العظيمْ"!! (تصفيق)! وتعرفون البقية..

الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية:
في الوقت الذي كان عامة الشعب الجزائري يدرك بحسه وتجربته مع حكم العسكر أنه لا بديل لعبد العزيز بوتفليقة، وأن الجيش لن يتخلى عنه كواجهة حتى وهو جثة هامدة! وأن إعلان نفسه رئيسا جديدا لولاية جديدة هي مسألة وقت فقط، كان الرئيس وحاشيته وأبواقه الإعلامية تصر على أن الرجل وطني غيور وزاهد في الحكم والسلطة والرئاسة!

وهكذا سمح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لأحد مستشاريه، بالإعلان عن عدم رغْبته في الترشح لفترة رئاسية رابعة.. كما قطع وزير سابق الشك باليقين بالتأكيد أن الرئيس بوتفليقة ليس في نيته الترشح لرئاسيات 2014 كما تروج له بعض الأطراف المغرضة، بل إن الانباء ذكرت أن الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، علي بن فليس، التقى بشخصيات في لقاء وصف بـ «السري»، وقال، إنه تلقى "ضمانات من جهات عليا بأن الرئيس لن يترشح لفترة رابعة نظرا لحالته الصحية التي لا تسمح له بذلك".

ولكن بعد حين من الدهر كانت "المفاجأة" التي يعرفها وينتظرها الجميع، وأعلن التلفزيون الجزائري أخيرا أن الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة قدم أوراق ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقررة في 17 أبريل، و قال التلفزيون الرسمي أن "ترشح بوتفليقة جاء استجابة لإلحاح المواطنين والمواطنات من كل أرجاء الوطن"!

وهكذا أعيد انتخاب بوتفليقة لولاية رابعة بعد حصوله على 81.49% من أصوات الناخبين، بحسب النتيجة النهائية التي أعلنها المجلس الدستوري / وأدى المسكين اليمين على كرسيه أمام الجنرالات مع خطاب في ثواني لا يكاد يسمع !! وتصفيقات وزغاريد النساء ترفع..!

المملكة المغربية:
في الوقت الذي كان عموم الشعب المغربي يدرك بحسه وذكائه الفطري، أن صديق الملك غادر المربع الملكي لكي ينشئ حزبا لمحاربة الاسلاميين!! وأن "حركة لكل الديمقراطية" ماهي إلا مقدمة لإعادة تجربة "الفديك" وان تحولها لحزب سياسي هي فقط مسألة وقت، كان مؤسس الحركة ومساعده واتباعه وأبواقه الإعلامية تصر على ان الرجل وطني غيور وهدفه الأساس بعث الحياة في الاحزاب السياسية المتكلسة!

قصاصات الأنباء:
أكد الهمة "أن حركته ليست حزبا سياسيا ولن تكون حزبا مطلقا" هكذا بكل وضوح لا يحتمل التأويل. وأن "الحركة ستبقى حركة مجتمعية مهامها تتعدى مهام الأحزاب السياسية".

قال الهمة "نحن حركة ولسنا حزبا.. ولا نفكر في تأسيس حزب سياسي".

في تونس التي ارتضت الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لحسم الصراع فقد تتبعنا "العودة الميمونة" لرموز الزمن القديم.. وتراجع القوى الإسلامية.

ولكن بعد حين من الدهر كانت "المفاجأة" التي يعرفها وينتظرها الجميع، واعترف الهمة "غادي نخلقو الحزب ديالنا"، وزاد أصحابه إن «الحركة تحتاج إلى ذراع سياسي، والجماعات المحلية محطة أساسية بالنسبة إلينا"..

وهكذا انطلق "الجرار" يدرس ويحصد الاخضر واليابس، ولم توقفه إلا هبة شعبية في الشارع، ومشاركة نوعية في صناديق الاقتراع..

التميز المغربي:
إن المتتبع لبلادة الاستبداد العربي، وما تجلبه على شعوبها من ويلات وبلاء، وكذا ما تجره على أصحابها من سخرية ومقت واستهزاء، لا يسعه إلا الإشادة حقا بالتميز المغربي..

إن المملكة المغربية الشريفة أصابها ما أصاب باقي الدول العربية التي خرجت شعوبها ذات ربيع تنشد العدالة والكرامة والحرية، وعبر كل شعب حينها عما يريد، وكان ما ترون من نهايات غير سعيدة، بل ومأساوية لإرادة الشعوب المنتفضة، والأمثلة ماثلة أمام أعيننا، حيث إطلاق النار والرصاص الحي على إرادة الشعب في كل من مصر وسوريا واليمن وليبيا.. أما تونس التي ارتضت الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لحسم الصراع فقد تتبعنا "العودة الميمونة" لرموز الزمن القديم.. وتراجع القوى الإسلامية التي كانت تمثل النموذج الأمثل حينها..

وبعد كل هذه التجارب "غير الناجحة" لم يبق أمامنا حقا وصدقا إلا "النموذج المغربي" الذي حافظ على شيء من روح الربيع العربي، وها هو ملك البلاد يعين رئيس الحكومة من الحزب الاسلامي الذي وضعت امامه كل الحواجز الشرعية وغير الشرعية لإعاقة "اكتساحه" المرتقب فتجاوزها كلها بنجاح! وخاب حزب السلطة و"التحكم" الذي وضعت امامه كل التسهيلات القانونية وغير القانونية، فأهدرها وجلبت عليه نتائج عكسية، وفي المحصلة فاز الحزب غير المقبول "رسميا" واحترم الملك محمد السادس "المنهجية الديمقراطية" واعترف بنتائج الصندوق الزجاجي وهنا التميز المغربي الذي يحتاج منا تدوينة خاصة.. وللموضوع بقية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.