شعار قسم مدونات

داخل عقل مجرم

blgos-killer

"أنا كالأسد وجميع الناس ضحايا بين يدي" هذه العبارة الخبيثة تعود لإحدى أخطر القتلة المتسلسلين في الولايات المتحدة الأمريكية، أقرأ في أحرف تلك الكلمات السامة مدى فخر هذا المفترس بما يفعله بالأبرياء، ووصفه بأنه أسد دلالة على مدى الوحشية التي تكمن في قلبه على كل الناس.

ظللت أفكر كيف لإنسان كان ذات يوم طفل كجميع أطفال العالم جميل وبريء وذو ابتسامة رقيقة، وكانت عيناه لامعةً تُحدق بشغفٍ لكل ما تشاهده كباقي الصغار الذين يودون اكتشاف العالم مبكراً، فأين اختفت تلك الابتسامة الحنونة؟، وأين ذهبت تلك العيون المغامرة؟، ومن كان يظن أن ذاك الطفل الضعيف سيصبح يوماً ما سفاحاً؟!

بعض السفاحين اتخذوا من الأطفال المراهقين ليكونوا ضحاياهم فهم لا يريدونهم أن يعيشوا حياة سعيدة في ظل والديهم بينما هم حرموا منها.

طبيب نفسي بريطاني الجنسية يقول: "أي قاتل متسلسل ذات مرة كان طفل بريء"، هذا يعني أنهم لم يخلقوا وقلبهم متحجر بل عاشوا حياة طبيعية كباقي البشر، ولكن ظروف معيشتهم السيئة وتربيتهم بمنزل ظالم وتعرضهم للإساءة المتكررة والإهانة قسّى قلبهم، ولو اطلعت على سيرة أخطر القتلة المتسلسلين في العالم ستجد أنهم تعرضوا في أوائل حياتهم للاغتصاب، الذي كان بداية خطرة في عالمهم، وأثر بشكل كبير على نفسيتهم وأدى لتحجر قلوبهم على العالم أجمع، وأرادوا الانتقام بقتل الناس الأبرياء، ذلك أن شخصيتهم الضعيفة منعتهم الوقوف بقوة أمام من ظلمهم، ولم يجدوا من يطبطب عليهم لينسيهم مآسي الحياة، فكتموا كل شيء في داخلهم حتى أصبحوا وحوشاً.

والقاتل المتسلسل ليس شخصاً عادياً وليس كباقي القتلة الذين يقتلون مرة واحدة في حياتهم، وأيضاً كل قاتل متسلسل يختلف في طريقة قتله، وفي اختيار فريسته فكل سفاح يختار فئة معينة من المجتمع ليصب غضبه عليهم، فبعض السفاحين اتخذوا النساء ليخرجوا بركانهم المركون في داخلهم عليهن، ومنهم من اتخذ الأطفال المراهقين ليكونوا ضحاياهم فهم لا يريدونهم أن يعيشوا حياة سعيدة في ظل والديهم بينما هم حرموا منها، وآخرين كانت العنصرية رمزاً في حياتهم فلم يقبلوا أن يكون أخوهم الأسود متساوياً معهم في الحقوق، فقرروا انهاء حياته بطريقتهم الخاصة،

واختيارهم لتلك الفئات من الناس يكون على أساس الإهانة التي تعرض لها القاتل المتسلسل في حياته، فالذي اتخذ النساء ليعذبهم ويقتلهم يكون غالباً قد تعرض في صغره للإهانة والتعذيب من قبل امرأة، حيث أن إحدى القتلة المتسلسلين في أمريكا قُتِلتْ على يداهُ أكثر من ثلاثين امرأة، ويرجع غضبه على النساء أنه في صغره كان يتيم الأب والأم فتكفلت في رعايته جدته، فلم تكن له بدلاً لأمٍ حنونة رحلت عنه، بل كانت قاسية جداً في تعاملها، حيث كان يتلقى التعذيب الجسدي والنفسي والحبس المتكرر منها يومياً، وحين كان يتبول في السرير أثناء نومه، كانت تعاقبه بوحشية فتقوم بضربه بسلك كهربائي ثم تعقد يديه بالسلك نفسه في طرف السرير.

ولو دخلنا عقول القتلة المتسلسلين في العالم ماذا سنجد فيها؟، وهل ستكون مختلفة عن باقي عقول البشر؟، لقد منحتنا التكنولوجيا والعلم الحديث القدرة على تصوير ما بداخل جسم الإنسان، وإمكانية رؤية الأعضاء الدقيقة فيه بكل وضوح، فأحد الأطباء النفسيين البريطانيين أتاه الشغف لمعرفة تشكيلة العقل الإجرامي، وأراد أن يعرف التشابه والاختلاف مع أدمغة الإنسان الطبيعي؟، فقام بتصوير عقول مجموعة من القتلة المتسلسلين والنتيجة كانت صادمة، وهي أن جميع القتلة المتسلسلين الذين صورت أدمغتهم تبين أنها مختلفة فعلاً عن عقل الإنسان الطبيعي، الاختلاف يكمن في أن عقول المجرمين يوجد فيها ضعف هيكلي في اللوزة الدماغية، وهذا الجزء هام جداً في العقل لكونه يشارك في توليد وتقييم المشاعر والأحاسيس لدى الإنسان، ولكنه كان مشوهاً كلياً لأولئك السفاحين، لذلك هم لا يعرفون أي من الرأفة والحنان ولم يستخدموا أي من العواطف الجميلة قط في حياتهم، بل جعلوا الحقد والكراهية والانتقام يلازمون عقولهم وقلوبهم، ولا يعرفون أبداً الشعور بالذنب حين يقتلون، بل يعتبرونه متعة حقيقية، وكأنما هي تسليتهم الوحيدة ولعبتهم المروحة عن النفس.

في مقابلةٍ لقاتلٍ متسلسلٍ خطير في سجون أمريكا يعبر فيها عن سبب قتله للناس قائلاً : "حين قتلت للمرة الأولى في حياتي شعرت بشعور جميل جداً لم أشعره في حياتي وكلما قتلت شخصاً آخر يزداد هذا الشعور الرائع في قلبي، وأحب رؤية خروج الأرواح تشخص الأبصار"، كم أرعبني وصفه و لم أسمع شيئاً قاسياً ومقززاً كهذا القول طيلة حياتي.

المصيبة في القتلة المتسلسلين أنه غالباً ما يتم كشفهم والقبض عليهم بعد مرور زمن بعيد، وبعد أن يكونوا قد أنهوا حياة العشرات من الأشخاص، وذلك لدهاء ذكائهم في إخفاء أدلتهم، ولطافتهم الزائفة مع الناس أثناء النهار.

ولكن دعونا للحظات بسيطة أن نستشعر بالأشخاص الذين وقعوا ضحايا لقاتلٍ سفاح، وكيف قضوا يومهم العصيب معه، تخيل أن تكون جالس في منزلك وحيداً ذات ليلة وأنت في راحة بال، وقد تكون تُحضر طعام العشاء لتقضي ليلة ممتعة مع نفسك، ثم فجأة يأتي أحدهم خلفك فلا تشعر إلا بوضع يده على فمك كي لا تصدر صوتاً يسمعه الجيران، وفي يده الأخرى سكيناً أو مسدساً يهددك به، أتعلم كم حجم الخوف الذي سيعتلي قلبك وقتها؟، ثم يحاول التمكن منك شيئاً فشيئاً حتى يفعل كل ما يريده بك من إجرام، ثم يقضي عليك بكل بساطة، أو قد تستمر تلك اللحظات المرعبة والقاسية لساعات طويلة أو لأيام وأحياناً لأسابيع؟، لأنك في نظره أصبحت لعبته التي تجلب المرح، فتقضي كل تلك الأيام بالتعذيب والإهانة والذل، وترى الموت بعينيك قبل أن يأتي إليك، أنت شعرت بالموت حقاً لكنك ما زلت حياً، وفي عينيك توسل "لا تقتلني أرجوك".

أنت متمسكاً بالحياة هائباً من الموت، ولا زلت شاباً صغيراً لم تحقق بعد ما كنت تصبوا إليه في هذا العالم الكبير، والأصعب من ذلك حين توعده أنك لن تخبر الشرطة عم فعله بك مقابل النجاة بحياتك، وذلك السفاح مستلذ على منظرك المسكين وكأنه يأكل طعاماً شهياً، فهذا ما يريده السيطرة وكأنه يملك الموت بين يديه، فيقتل متى شاء وكيفما شاء وفي الوقت والزمان الذي يحدده هو، وبعض المجرمين يصل بهم الأمر إلى أن يتواصلوا مع أهالي الضحايا ليلحقوا بهم الرعب أيضاً، كأن يتصلوا بهم ويخبروهم عن مدى الأذى الذي يتعرض له ابنهم، حتى يزدادوا ألماً وحسرة.

ولكن أتعرفون المصيبة في القتلة المتسلسلين تكون في أين؟، أنه غالباً ما يتم كشفهم والقبض عليهم بعد مرور زمن بعيد، وبعد أن يكونوا قد أنهوا حياة العشرات من الأشخاص، وذلك لدهاء ذكائهم في إخفاء أدلتهم، ولطافتهم الزائفة مع الناس أثناء النهار، فمن الصعب أن يتم الشك في إنسان يتمتع بأخلاق عالية وذو سمعةٍ طيبة، فتبعدهم الشرطة عن دائرةِ المتهمين الرئيسيين، فهم لا يعرفون ماذا يفعلون أولئك المجرمين حين يحل الليل، فهم ينتزعون ذلك القناع الذي تجمّلَ على وجوههم أثناء النهار، ويبدلونه بشيطانٍ رجيم أصر على تعذيبِ الناس ومص دمائهم دون رحمة.

إني أحمد الله كثيراً على نعمة الدين الإسلامي الذي علمنا كيف نسامح من أذانا، وكيف نرد الإساءة بالحسنة، وكيف نكون رحماء بين الناس، وكيف نُحسِنُ معاملة الضعفاء لا أن نستغلهم، وكيف نطرد الحقد من قلوبنا ونجعله مليئاً بالحب لكل الناس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.