شعار قسم مدونات

المراهقة

المراهقة

في لحظة مفاجأة من طفولتنا البريئة تُداهمنا تغَيُّرات فيزيولوجية وبيولوجية متسارعة تقلب موازين القوى النفسية داخلنا لصالح الجانب العاطفي على حساب الجانب العقلي.

يبدأ مع هذه اللحظة "الانقلاب" الأول في الشخصية البشرية الذي سيكون شماعة كل تصرف شبابي طائش، كل قرار لا مسؤول، كل تمرد على الأخلاق والقيم، إنه سنّ المراهقة.

يجب أن نفرق بين مفهومين للمراهقة:
الأول مفهوم زمني مادي، يمكن أن نختصره بأنها مرحلة عمرية من مراحل تكوين شخصية الفرد، دون الخوض في سِماتها، تبدأ بالبلوغ وتنتهي بوعي الشخص بدوره و مسؤولياته كفرد من أفراد المجتمع وتدوم قرابة العقد من الزمن.

الثاني مفهوم نفسي حسي يخص مجموعة من ردود الأفعال السلبية في مرحلة عمرية تتسمم بالتمرد واللاعقلانية في التصرفات والقرارات، تنتهي بانتهاء أسباب حدوثها، مدتها الزمنية غير محددة يمكن أن تكون أياما كما يمكن أن تكون سنوات.

مفهوم  المراهقة  يجمع بين بعد زمني مادي (مرحلة عمرية) وبعد نفسي حسي يطغى  عليه طابع التمرد

في أغلب الحالات يتزامن المفهومان أو بالأحرى يمثل المفهوم الأول مُحَفِّزاً قويا للمفهوم الثاني.

يحصل تمرد على القيم والأخلاق، علاقات غرامية غير ناضجة وغير محسوبة، تقهقر في التحصيل العلمي والمعرفي، والكثير من التصرفات السلبية .. والشماعة واحدة "مراهق/ مراهقة".

والسؤال لماذا ارتبطت هذه المرحلة المهمة من مراحل تكوين الشخصية بتصرفات غير سويّة ؟
مما لا شكّ فيه أن التغيُّرات الفيزيولوجية والبيولوجية التي تطرأ على الفرد عند البلوغ تُوَلّد لديه طاقات وأحاسيس لم يعهدها زمن الطفولة وتفتح عينيه على جوانب جديدة في علاقته مع المحيطين به، مما يُفقده توازنه النفسي وانسجامه مع من حوله، خاصة مع انعدام خبراته الحياتية.

إضافة إلى ذلك يكون الفرد في هذه المرحلة العمرية غير مطالب بأي مسؤولية حياتية (أكل، لباس، مصاريف،…) وغير معرض لأخذ قرارات مصيرية، فهو في حِل من أي ضغط.

ويُحفّز هذان العاملان الجانب المتمرد في شخصية الفرد فيُطلق العِنان لطاقاته الجديدة ويُحاول أن يثبت وجوده في من حوله دون أن يكون لديه أدوات ذلك، مما يُنتج قرارات غير عقلانية، تصرفات طائشة، علاقات اجتماعية غير ناضجة خاصة مع الجنس الآخر.

اتضح لدينا أن العوامل المسببة للتصرفات الغير سويّة للمراهق خارجة عن نطاقه وأن ترويض هذه المرحلة في ضل انعدام الخبرة الحياتية يصبح تحديا كبيرا له، مما يجعل تدخّل عامل خارجي للمساعدة على تجاوز هذه الفترة الحرجة من تكوين الشخصية شيء لا مفر منه.

فمن المخول ليقوم بهذا الدور الهام وكيف يكون ذلك؟
أعتقد أن الدور الرئيسي في مساعدة المراهق على تجاوز مرحلة ما بعد البلوغ بسلام يعود بديهيا للوالدين، والجزء الأكبر من هذا الدور يكون وقائيا حيث أنه يبتدأ في أواخر مرحلة الطفولة (من سن السابعة تقريبا) عبر عديد الأساليب نذكر منها :

تعليم أسس الدين (عبادات ومعاملات) و فتح باب الحوار مع شرح مبسط مناسب لمن في سنه، والحث على الأخلاق الحميدة بطريقة عملية (مساعدة كبار السن ، اعطائه مالاً يتصدق به، شكر من أحسن إليه، طلب ما يريد بأدب،…)مما يرسخها لديه. وغرس قيم العدل والصدق والتواضع والاحسان.

توجيه المراهق/ة لأنشطة متعددة (تختارها له بعناية) تملأ وقت فراغه ثم تشجعه على النشاط الأقرب إليه (رياضة بمختلف اختصاصاتها، مطالعة، …). ومن المهم أن تلفت انتباهه إلى أمثلة واقعية من المحيطين به، أشخاص ناجحين في حياتهم(معنويا أكثر منه ماديا) و تشرح له سبب ذلك النجاح، وأيضا أشخاص لم ينجحوا و تبين سبب فشلهم.

بفك الارتباط بين مُحَفّزات المراهقة (البلوغ وانعدام الخبرة) وتَبِعاتها (طيش وتمرد ) نكون قد غيّرنا المفهوم التقليدي لهذه المرحلة العمرية

وفي مرحلة متقدمة من الوقاية (بعد سن العاشرة) تشرح له مفهوم المراهقة وما يحصل فيها من تغيُّرات فيزيولوجية و بيولوجية وانعكاساتها على توازنه النفسي، كما يقال "نصف الحل في فهم المشكلة".

كل هذه الأساليب الوقائية ستشكل رادعا له في فترة المراهقة وخبرة (نظرية) في التعامل مع ما يطرأ عليه من أحداث تخفف من وطأة هذه المرحلة كما ستكون له مرجعا عند اتخاذ قرارات مصيرية.
وبالنسبة لدور الوالدين أثناء فترة مراهقة ينحصر في المراقبة عن بعد مع التدخل عند اللزوم دون تسلط ولا إجبار.

وكل ما يجمع بين هذه الأساليب هو فتح باب الحوار على أي تساؤل يطرأ عليه. ويجب أن ننوه إلى دور هياكل الدولة من مدارس ومعاهد، جمعيات تطوعية ونوادي ثقافية ورياضية في توفير أنشطة مفيدة ومناسبة للمراهقين مع التأطير خارج نطاق الأسرة.

بفك الارتباط بين مُحَفّزات المراهقة (البلوغ وانعدام الخبرة) وتَبِعاتها (طيش وتمرد ولاعقلانية) نكون قد غيّرنا المفهوم التقليدي لهذه المرحلة العمرية من مرحلة الطيش إلى مرحلة بناء الشخصية، مما يستوجب تغيير طريقة التعامل معها، قبلها وخلالها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.