شعار قسم مدونات

هل الذات الإلهية أقل قدراً من الذات الطينية؟

blogs - hattar
مفارقة؟ لا، بل مفارقات! غريبة عجيبة لا منطق فيها ولا ذمة، أن من محظورات هذا الزمان، لا بل من مهلكاته، أن تذكر "الذات الطينية" بسوء، أو أن تقترب منها بشيء منه.
 
هذا إن كانت الذات ذات طبيعة عادية بسيطة، إذ أنك ستفتح على نفسك أبواب كنت في غنى عنها، أقلها باب المحاكمة القضائية، بتهمة السب والشتم أو التحقير، لتضطر غير واجل فيما بعد للاعتذار مرات ومرات، حتى تغلق ذاك الباب، وتمنع رياحه النتنة عنك لترتاح وتستريح، أما إن كانت تلك "الذات الطينية" من أصحاب المقامات الرفيعة، والمناصب العالية الكبيرة، والشخصيات العامة المرموقة، التي تنحني لها القامات القصيرة، وتحيط بها بطانات السوء، وتسير لخدمتها آلاف الزبانية، ويقف على باب قصورها المئات من كلاب الحراسة البشرية، فيعد ذكرها بسوء هو أشبه بعملية انتحارية، مصيرها جهنم وبئس المصير.

تخيل معي -إن كان التخيل مسموح في هذا المضمار- لو أن أحداً لا زال في كامل قواه العقلية، أقدم على رسم كاريكاتور كرتوني لرئيس دولة أو ملك من الملوك، وهو يقف على باب بيته يطلب منه الإذن بالدخول، فيطلب منه صاحب الرسم الكرتوني أن يذهب لينظف الأطباق المتسخة، ويقوم على خدمته، وأن يظل خارج الغرفة تحت الطلب ورهن الإشارة، فهل من شك لدى أحد بأن هذا الانتحاري المجنون سيوارى تراب قبره بعد ساعات معدودات كحد أقصى من نشر هذا الرسم الكرتوني المسيء؟ هذا إن استطاع نشره ووجد مخبول آخر غيره يشد على يده! وإن كان الله عز وجل قد كتب له في اللوح المحفوظ عمر مديد وحياة أطول رغم أنف العالمين، فلا شك أنه سيتمنى الموت ألف مرة من هول ما ستراه عيناه  -إن ظل له عينين-، وما ستسمعه أذناه -إن ظل له أذنين-..
 
خصصوا مساحات في الصحافة المكتوبة، وفتحوا فضاء واسع في القنوات الإعلامية، للحديث عن الذات الإلهية بأسوأ العبارات

أما أن يكون المقصود بهذا الرسم الكرتوني المشينة والبذيئة هو "الذات الإلهية" عز وجل مقامها، وأن يتطاول على وصف الله عز وجل بكل ما لا يليق به، فهذا أمر في قوانين حياتنا المختلة، وفي عرف تقدمنا الفكري المتخلف، أصبح يسمى حرية رأي، ونبراس علم، ولغة تعبير! وأمر طبيعي لا غضاضة فيه! بينما يعد مجرد التلميح بسوء ولو من بعيد جدا لأي "ذات طينية" من الرؤساء أو القادة، جريمة عظمى يستحق فاعلها الحبس والإذلال، إن لم يكن الإعدام شنقا بعد أن يكون قد نال ما نال من التعذيب والتنكيل، كما جرت العادة في بعض الدول!

بهذه الناصية الكاذبة الخاطئة، وهذا النهج الضال المضل، أصبح العالم بأسره ينادي غير خاجل ولا واجل! لا بل وصل الأمر إلى ما هو أدهى من هذا وأمر، وهو تخصيص مساحات عريضة في الصحافة المكتوبة، وفتح فضاء واسع فسيح في القنوات الإعلامية، للحديث عن الذات الإلهية بأسوأ العبارات، ووصفها بأحقر الأوصاف، بينما لا يجرؤ أي من هذه القنوات أو الجرائد، على مجرد الإساءة لأصحاب السلطة والنفوذ من الذات الطينية، فبأي لسان كاذب بربكم تتحدثون؟ وبأي مكيال أخرق تكيلون؟
قال عز وجل في كتابه الحكيم، ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)) صدق الله العظيم، أي أن الطريق إليه عز وجل لا يزيد على أن نتجه بجوارحنا لله، ونقول يا الله، ويا رب، بلا مقدمات ولا وسيط، وهو الواحد القهار ذو الجلال والإكرام، بينما الطريق إلى علية القوم أصحاب الذات الطينية مثلنا، هي أصعب بكثير من بلوغ قمة جبال الهمالايا بلا حبال، والحديث معهم -إن جرى حديث وهيهات يجري!- لا يكون بلا مقدمات تبجيلية وتعظيمية، وألقاب تفخيميه تتجاوز في عددها عدد كلمات مقدمة ابن خلدون، للوصول إلى اسم الرئيس وهي الذات الطينية.

لابد أن يُحفظ للذات الإلهية قدرها، وأن يعاقب كل من يسيء إليها بعقوبة رادعة مانعة، متوافقة مع مدى إساءته.
إن وجوب احترام حرية الرأي والتعبير، هو أمر لا خلاف فيه ولا جدال، أما أن يتحول الرأي إلى إساءة فجة وصريحة للذات الإلهية، وتحقير للرموز الدينية والمقدسات، ثم تجد بعض المتشدقين تتعالى ألسنتهم بالدفاع عنه ومطالبة المجتمع بتقبله والتغاضي عنه، والتصدي لكل غيور على دينه أو أي مستهجن لهذه الدناءة، واعتباره رجعي الفكر تحت مسمى حرية الرأي، فهذا أمر جل خطير ولا يمكن السكوت عليه، فالذات الإلهية ليست مرتع لمن لا مرتع له.
كما أنه ليس من المعقول أن نطلب ممن يسب دينه جهارا نهارا، ومن تهان مقدساتها ليل نهار، ومن يساء إلى إلهه، أن يقف كالصنم مكتوف اليدين، تحت شعار الديمقراطية، بغض النظر إن كانت صادقة أو غير صادقة، فالمساس بالذات الإلهية أمر مرفوض البتة، تحت أي شعار وأي مسمى، ولابد من الضرب بيد من حديد، على كل متطاول عليها، احتراما وتقديرا لها.
 
هذا لا يعني بالتأكيد بأن تكون الرصاصة في مقابل الكلمة، ولكن يعني أن يحفظ للذات الإلهية قدرها، وأن يعاقب كل من يسيء إليها بعقوبة رادعة مانعة، متوافقة مع مدى إساءته، والنظر إلى هذه الإساءات بالعين الصحيحة لا بالعوراء، في حين أن الكثير يزج بهم في غياهب السجون من وراء قصيدة أو مقال أو كلمة في حق ذات طينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.