شعار قسم مدونات

عندما أصبح اللهث وراء الجزرة.. إنجازاً!

blogs - youth
في دوامة السباق المعرفي والتطور الهائل الذي نشهده يومياً في كافة مناحي الحياة، كعربية أقف مطولاً أمام بحرٍ من التساؤلات التي ترهق التفكير أكثر مما تثريه!

ما الذي يجعل الشباب العربي يفتقر إلى الإنجاز العلمي والمعرفي الحديث! ما الذي يجعل ما يقارب 200 مليون شاب بمعزل عن تطوير أو اختراع أو ابتكار أي إنجاز فكري وعلمي يُقدّم الى العالم بأيادٍ " عربية" ! 

لقد سبق وأثرى العرب القدماء العالم بالعديد من المنجزات العلمية التي تدرّس لغاية اليوم في كافة دول العالم وفي العديد من المجالات، إذن فما الذي تغيّر!

تساؤلات يثيرها الواقع العربي الحالي وتُستدرك بتساؤل آخر، هل البلاد هي التي جعلت الشباب العربي تمشي في الشوارع دون أي إنجازٍ أو استغلالٍ لأوقات الفراغ!
باعتقادي ليست البلاد هي السبب، بل السياسات المتبّعة من قبل حكومات البلاد!

يفتقر الشاب العربي إلى المنجَز لأنه لا يمتلك الوقت للتفكير أو الإبداع أو الابتكار في أي مجال من مجالات العلوم بما فيها تخصصه الذي درسه.

السياسات التي تتبع مبدأ " العصا والجزرة" بحيث تُبقي المواطن العربي "الشاب على وجه الخصوص" يلهث وراء تلبية احتياجاته الحياتية وتحصيل قوت يومه إلى أن يصل في النهاية إلى المرحلة التي يجد فيها نفسه قد أضاع حياته دون أي إنجازٍ لنفسه بالحد الأدنى، فكيف بإنجازٍ للعالم! وهو في النهاية لم يشعر حتى بمتعة كل تلك السنين التي عاشها هباءً، مشهدٌ عربيٌ يتكرر أمامنا مئات المرات يومياً!

تتضح سياسة "العصا والجزرة" جلياً بعد الأحداث التي مرت بها معظم الدول العربية منذ عام 2010، ارتفاع أسعار السلع الأساسية، زيادة الضرائب على الخدمات الأخرى، مع استخدام أسلوب " الأقل سوءً" لتخيير المواطن بين أمرين أحلاهما مرّ هي أحد أهم السياسات التي تتغنى بها الحكومات العربية اليوم.

على سبيل المثال، قبل مدة قصيرة أُعلن في الأردن على لسان ناطقٍ رسمي بأن فرض ضريبة جديدة على معاملة نقل ملكية المركبات بنسبة (500 بالمئة) قد جاء بديلاً عن رفع سعر 90 سلعة غذائية ضرورية!

هنا ، يُتوقّع من المواطن أن يقول " شكراً "! وأن يتجرّع المرّ خوفاً من الأمرّ وهو يُسبّح بحمد قرارات الحكومة الرحيمة!

هكذا تتعامل معظم الدول العربية مع مواطنيها، على الشباب العربي أن يقبل دوماً بالقرار السيء خوفاً من الأسوأ، يجب عليه أن يظلّ راكضاً خلف تلك " الجزرة" التي تمثّل لقمة العيش دون الالتفات يميناً أو شمالاً أو حتى الوقوف قليلاً لإدراك ما يدور حوله من أحداث، دون أن يناقش السياسات المتبّعة أو أن يبدي رأياً في قانونٍ أجتهد الجميع بتمريره في غفلةٍ عن ذلك المواطن " الراكض"!

يفتقر الشاب العربي إلى المنجَز لأنه لا يمتلك الوقت للتفكير أو الإبداع أو الابتكار في أي مجال من مجالات العلوم بما فيها تخصصه الذي درسه ويمارسه كلّ يوم، إنه لا يملك الوقت حتى لمتابعة أخبار محيطة أو التعاطف مع ما يجرى فيها! وهو بالضبط ما تبتغيه القوى المسيطرة على الأرض.

إن فكره محصورٌ بتأمين قوته، وهو بذات الوقت لا يتطلّع إلى الرفاهية فيه، بل يكتفي بسد رمق عيشه والرضا بتأمين الأساسيات! الأساسيات هي الجزرة التي يلهث الشاب العربي لالتقافها وسط الحشود التي تتصارع عليها عندما تلتقي النفوس البشرية على مائدة الحاجات المشتركة! وعندما تصير بين يديه يشعر بالرضا الكامل! ينام قرير العين مكتفياً بالدنيا غير آبهٍ بالعالم، غير معترفٍ بأي دورٍٍ آخر له فيه!

عندها فقط يشعر الشاب العربي " بالإنجاز"!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.