شعار قسم مدونات

الردود الشفّافة على "قصة آدم و حواء مجرد خرافة"

blogs-الرد من القرآن

نرد في هذه التدوينة على ما كَتبت المُدَّوِنة فاطمة الزهراء في تدوينتها "قصة آدم و حواء مجرد خرافة" بتاريخ 28 سبتمبر 2016، سأحاول في سياق حديثي الإجابة على ما جاء في التدوينة المعنية دون أفكار مسبقة ولا ظنون، فقط تحليل لما كُتب في المُدَوَّنة، فكر لفكر وحجة لحجة.
 

في فقرتها الأولى طرحت المُدَّوِنة تساؤلات من قبيل:
"هل فكرت في احتمالية أن قصة آدم و حواء مجرد خرافة؟ الإجابة : نعم وأعتقد أنها إجابة أكثر "بني آدم"..، هل سبق لك أن رأيت امرأة خلقت من ضلع رجل؟ "الإجابة: لا" أسئلة مشروعة لكنها لا تقود لأي استنتاج من قبيل أنه بما أننا لم نرى امرأة خلقت من ضلع رجل إذا فالقصة خرافة! ذلك كمن يقول "بما أننا لم نرى الهواء فهو غير موجود"!.
 

في الفقرتين التاليتين تُحيلنا المُدَوِّنة إلى خلفية قراءتها للموضوع، وهي القراءة العلمية البحتة، فقط سأُذكِّرها أن العلوم بصفة عامة غير ثابتة فما أجمع عليه علماء، فنّده علماء آخرون و ربما أثبتوا عكسه، لذا فاعتماده كمرجع رئيسي ووحيد، على أهميته، يُحيلنا لنتائج غير ثابتة أيضا، وكمثال نذكر أن قبل سنوات قريبة كان العلم مقتنعا أن تكوين اللحم لدا الجنين يسبق تكوين العظام، وبتطور وسائل مراقبة الأجنة ثبت العكس.. إن اختلف العلماء في ظاهرة معينة وكلٌّ له حججه ومنطقه، وهذا يحدث كثيرا، فمن نصدق؟
 

كما أن الانسان لا يمكن أن يُوجد بلا "اخصاب و توالد" فالطبيعة أيضا لا يمكن أن توجد بلا أسباب منطقية وعلمية فماهي هذه الأسباب؟ وماهي بدايتها؟ وكذا التساؤلات عن أسباب الأسباب

أتفق مع المُدَوِّنة في فقرتها الموالية بخصوص ميزة الإنسان بالعقل ويجب أن يُفكّر ويَتَفكّر في كل ما حوله، ولا أتفق معها في اجابتها الأخيرة عن تساؤلها، دون حجة ولا برهان، "يمكن في حالة ما كان الإنسان جاهلا أو مغيب عقله أيديولوجي"!. لكن نشير أن عقلنا ليس بهذا الكمال الذي نتصور فعلى بساطة المثال يمكن أن ينخدع عقلنا بأبسط الأشياء "ولنا في الخدع البصرية والتنويم المغناطيسي وغيرهما مثال".
 

بعد ذلك تبدأ المُدَّوِنة طرح فهمها للموضوع من خلال خلفيتها التي بينها في الفقرات السابقة ألا وهي العلم، وبالتالي أي وجود لكائن بشري لا يكون إلا عبر "التوليد" حسب تعبيرها، وفي إجابة بين السطور على تساؤل بديهي سيُطرح عن كيفية خلق أول كائنين بشريين (ذكر وأنثى)، لأنه لا مفر من تحديد بداية.
 

أحالتنا المُدَوِّنة إلى خلفيتها الثانية حيث عزت تكوين أول كائنَين بشريين للطبيعة "دليل على أن الإنسان من أعقد وأبدع ما جاءت به الطبيعة"، إلاّ أنها لم تتطرق إلى البداية العلمية للطبيعة، فكما أن الانسان لا يمكن أن يُوجد بلا "اخصاب و توالد" فالطبيعة أيضا لا يمكن أن توجد بلا أسباب منطقية وعلمية فما هي هذه الأسباب؟ وماهي بدايتها؟ وكذا التساؤلات عن أسباب الأسباب..
 

ثم شرحت لنا تفاصيل عملية الإخصاب المعروفة في مرحلة ما بعد أول كائنين بشريين، أي العملية الجنسية وما تنتجه من حيوان منوي وبيوضة.. وهذا متفق عليه لكنه لا يُفنّد قصة خلق آدم وحواء (على اختلاف تفاصيل القصة حسب المراجع). القضية في تفسير وجود أول كائنين بشريين! لكن المدوِّنَة تُصر على اسقاط طريقة التكاثر في مرحلة ما بعد أول ذكر وأنثى على طريقة وجودهما!؟ وهذا لا يقبله لا المنطق ولا العقل التي تشيد بهما.
 

وفي آخر الفقرات تكشف لنا المدَوِّنة عن خلفيتها الثالثة وهو المحَرِّك الأساسي لتبني تفسيرها لقصة آدم وحواء بالخرافة، ألا وهو البحث عن سبب لما يسمى "السطوة الاجتماعية للرجل على المرأة عبر العصور وتبعاته". الغريب في الأمر، وعلى غير ما عوَّدتنا في سابق الفقرات، كان المرجع الأساسي لها كتب الأساطير لا العقل والمنطق! لذا لن أرد على ما ادعت بهذا الخصوص!.
 

في الأخير اسمحوا لي أن أشير إلى بعض المسائل وأطرح بعض التساؤلات لعلّ في طريق البحث عن إجابة لها تتضح لأصحاب هذا الرأي بما فيهم المُدَّوِنة زاويا نظر خفيت عليهم:
نستعين بالمثال السابق بخصوص ترتيب مراحل تكوُّن الجنين، ونتساءل ما هو التفسير المنطقي والعقلي لوجود وصف علمي دقيق لهذه المراحل في كتاب سماوي (القرآن الكريم) سبق العلم بما يقارب 1500 سنة دون اي يخفى عليكم انعدام الوسائل العلمية، المتوفرة في عصرنا، في ذلك الوقت؟.
 

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) المؤمنون12-14 وهذا مثبتٌ علميا كما لا يخفى على الأخت المدَوِّنة، نظرا لإيمانها بالعلم ومواكبتها له، الملاحظ وجود إشارة لخلق أول إنسان، نعود لها لاحقا..
 

هنالك مسائل فوق إدراك العقل والمنطق نؤمن بها بما أننا تأكدنا، عقليا وعلميا ومنطقيا، من أن مصدرها "الله"

أستعين ببعض عبارات المدَوِّنة في حثها على البحث على الحقيقة فهي لا عذر لها في ظل هذا الانفتاح المعلوماتي الكبير "ومع ذلك أعتبر أن الإنسان اليوم لا يملك أي عذر أيا كان نوعه من عدم البحث عن الحقيقة" وأشير لها أن تبحث في عديد الأمثلة التي ذكرها القرآن الكريم، أو ما يسمى بالإعجاز العلمي في القرآن، وأعتقد أن لديها من الخبرة والمعرفة، في أن تبحث عن المصادر الموثوقة علميا لتتأكد مما ذكر في القرآن حسب ما وصل له العلم حديثا (بخصوص النحل، الحديد، انتاج اللبن عند المواشي، الجبال، النجوم، الكواكب، والكثير الكثير)
 

ثم فلتجد تفسيرات منطقية لهذه الآيات غير أنها مِن مَن خلقها وصورها وهو الأعلم بها. وإن وصلت لهذه النتيجة فالعقل والمنطق الذي استعملته في البحث عن الحقيقة بالفكر والتفكر سيقبل الأمور الغيبية ونحوها من قصص القدماء و قصة الخلق الأول للإنسان (المذكور في المثال أعلاه)، بما أنه تأكد من مصدرها الإلهي وسيصل إلى نتيجة أن هنالك مسائل فوق إدراك العقل والمنطق نؤمن بها بما أننا تأكدنا، عقليا وعلميا ومنطقيا، من أن مصدرها "الله".
 

يجب الإشارة أن التساؤلات التي طرحتها المدَوِّنة مشروعة ومحمودة ولو أننا نختلف معها في التحليل والنتائج، إلا أنها في الطريق الصحيح ألا وهو التفكّر والتدبّر، على أمل أن تواصل هذه العادة والأكيد أنها ستصل إلى الحقيقة "إن شاء الله" لو كانت تبحث عنها بصدق وتفاني ودون خلفيات وأفكار مسبقة وخاصة أن لا تجعل سلبيات كالتسلط الذكوري في المجتمعات العربية وتبعاته يؤثر على مسار بحثها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.