شعار قسم مدونات

الرئاسة الأمريكية بين أرقام ترامب وواقعية كلينتون

blogs - usa
لم يعد السباق إلى البيت الأبيض مجرد مناظرات بين حزبين متناحرين، بل أصبح تحدٍ لإصلاح سنوات من الخراب العالمي، فمن شخص يسعى إلى تخلي الولايات المتحدة عن التدخل في الشؤون الدولية بدون مقابل والبعد عن الحلول الدبلوماسية بهدف الارتقاء بالسياسة الأمريكية إلى الاهتمام بالشأن الداخلي، إلى كيان يسعى إلى متابعة خطاه الدبلوماسية ولأول مرة بقيادة امرأة من العيار الثقيل، حيث تكمن الخبرة التي تمتلكها هيلاري كلينتون في سنوات من الاتفاقيات والتحالفات والعمل على بناء علاقات وجسور من التفاهم السياسي بغض النظر عن بعض وجوه الفشل والتداعيات التي تعرضت لها أقاليم دولية في أنحاء العالم.

يتخذ ترامب أرقامه التجارية وحساباته المصرفية الضخمة وخبرته في مجال الأعمال طريقاً في بناء ثقة الشعب الأمريكي بإعادة اقتصاد الولايات المتحدة إلى وضعه الطبيعي، ولكن لفئة معينة وهي الفئة الثرية حيث سيمنحهم امتيازات تجارية لجذب رؤوس الأموال التي تعمل في الخارج والخروج بدولة خالية من العيوب الاقتصادية، فيما اتخذتها هيلاري نقطة ضعف لترامب حيث أنه بذلك يحرم الولايات المتحدة الأمريكية من الدخل الضريبي -كما فعل هو بشكل شخصي- ويمنح حقوقاً للقوى الاقتصادية وهذا بعينه تهميش لباقي الفئات المجتمعية وعدم النظر إليها وهذا بطبيعة الحال تفكير رأس مالي بحت.

إن الوصول للرئاسة الأمريكية يحتاج إلى مؤهلات مثل المرونة السياسية والخطابة لجذب الناخبين بالإضافة إلى المال السياسي والتغطية الإعلامية.

لم تأب كلينتون لأي من الاتهامات التي انهالت عليها من جانب ترامب وحولت المناظرة إلى خطاب رئاسي ومادة خام لتأسيس ثقة شعبية نهائية حيث أخذت نقاط ضعف ترامب عناويناً لموضوعاتها واختتمت هجومها على المنافس بذكر تجاوزاته وتصريحاته التي انقلبت ضده.

يرى البعض أن مصلحة العالم تتمثل في تولي ترامب كرسي الرئاسة لأنه لم يبد أي نية في شن حروب تهدد السلام في العالم، ومن جهة كلينتون لم تبتعد أيضاً عن اللعب على وتر الإصلاحات الداخلية والاقتصادية على مبدأ مونرو الذي يقول إن على الولايات المتحدة أن تبدأ بنفسها قبل أن تهتم بالشأن الخارجي. وقد برز ذكاء الديمقراطيين من خلال جعل كلينتون مصلحةً اجتماعية واقتصادية متجاهلين الكيانات التي أسسها بيل كلينتون بحجة أنها تقوم بدعم الأعمال الإنسانية.

إن الوصول للرئاسة الأمريكية يحتاج إلى مؤهلات مثل المرونة السياسية والخطابة لجذب الناخبين بالإضافة إلى المال السياسي والتغطية الإعلامية، ويبدو أن هذه الانتخابات ليست كسابقتها من الانتخابات في ظل الأحداث الدولية حيث أن أي حدث يطرأ في أي لحظة قد يقلب الطاولة رأسا على عقب، فعلى سبيل المثال كان ترامب صاحب التقدم بين مرشحي الرئاسة ولكن دعم ساندرز لهيلاري كلينتون كان الخطوة التاريخية التي قلبت الموازين، كما أن لتبرئة كلينتون من قبل الإف بي آي من أي تهمة موجهة إليها وملاحظة التقارب بين ترامب والمعسكر الروسي دوراً في اقتراب الحسم الرئاسي لصالح كلينتون.

من هو الرئيس القادم؟
يقف تحديد الرئيس القادم على التحديات التي تواجه العالم مثل مسألة داعش التي قدمت فيها كلينتون إستراتيجية في التعامل من خلال زيادة الجهد الاستخباراتي والقيام بضربات جوية وحملات برية ومكافحة التجنيد عبر الإنترنت، في حين دعا ترامب إلى عدم التدخل الأمريكي وإخلاء السبيل أمام روسيا لمحاربة داعش وتحجيم الأعمال العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.

مهما تعددت الشعارات وتشابكت المناظرات، فإن حاكم البيت الأبيض القادم سيتبع سياسة عامة تصب أولاً وأخيراً في مصلحة الولايات المتحدة وحلفاءها الرئيسيين.

وعلى العكس مما اقترحه دونالد ترامب فيما يخص الشأن السوري وبقاء نظام الأسد، دعت كلينتون لإسقاط هذا النظام والعمل مع حكومة انتقالية.

وعلى صعيد الشأن الخليجي العربي لم تتراجع كلينتون عن رؤيتها دول الخليج كحلفاء استراتيجيين وحثت على التعاون العسكري والأمني معها، في الوقت الذي يرى أن إيران يمكن أن تكون شريكاً استراتيجياً وأن على دول الخليج أن تدفع ثمن دفاع الولايات المتحدة عنها.

ونستنتج من ذلك صعوبة التكهن الكامل بلون الرئاسة القادمة وأعتقد أنه في كلتا الحالتين سيكون العالم منصاعاً لخطة مئوية تمت كتابة سيناريوهاتها في دفاتر الكونغرس منذ مدة مضت، ولكن ما تقف عليه الآن هو فيما إذا ستكون ذات صبغة ديموقراطية حمراء أم جمهورية زرقاء، دبلوماسية مرنة أم رأسمالية جامدة، لا يسعنا سوى الانتظار!

في النهاية، يبدو أن الكيان الحاكم في الولايات المتحدة كما جرت العادة، هو الذي سيحدد سياسة الرئيس القادم فمهما تعددت الشعارات وتشابكت المناظرات، فإن حاكم البيت الأبيض القادم سيتبع سياسة عامة تصب أولاً وأخيراً في مصلحة الولايات المتحدة وحلفاءها الرئيسيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.