شعار قسم مدونات

خريج التوكتوك.. أو حينما تثور الثورة

blogs - tuk tuk

لا حديث هذه الأيام إلا عن المواطن المصري أو خريج توكتوك كما وصف نفسه جوابا على سؤال الإعلامي عمر الليثي بخصوص طبيعة تخصصه الدراسي.

ولعل من إيجابيات هذا الانفتاح المهول بخصوص تداول المعلومات في أرجاء المعمور وفي سرعة قياسية هوأن يتعرف العالم على بعضه وخصوصا أن يتعرف العربي والأمازيغي والصحراوي و.. إلى بعضهم بعضا، وأن يكتشفوا بعضهم بعضا،وأن يفضحوا الزعيم والحاشية التي أوصدت الأبواب والتلفزيونات الرسمية وباقي أبواقه في وجه التيارات المعبرة عن واقع الشعب ومعاناته.. وجعل هذه الوسائط مجرد رجع الصدى للزبانية الحاكمة.

إنه نقاش سياسي حاد، لكنه في شكل حوار داخلي بين الحاكم ومرتزقته، والهدف طبعا هو تضليل شعب لا يوجد إلا في مخيلتهم القاصرة عن الابتكار والتقييم الموضوعي للواقع وبسبب الثورة الرقمية التي يشهدها العالم تعرفنا على سائق التوكتوك الذي شرّح النظام السياسي المصري في بضع دقائق، وأشار بالأصبع من على مقعد توكتكه ومورد عيشه، أشار إلى مكامن الإختلال في بنيته وأعطى دروسا للنظام السياسي القائم حول تفاهة وتناقض حملات التضليل السياسي والإعلامي التي ينهجها النظام.

 تداول المعلومات سمح بفضح الزعيم والحاشية التي أوصدت الأبواب والتلفزيونات الرسمية وباقي أبواقه في وجه التيارات المعبرة عن واقع الشعب ومعاناته

لقد أبان  السائق وكشف عورة خطاب سياسي وإعلامي بليد يغرق في الديماغوجيا، يخاطب شعبا غير الشعب الذي يمشي في الأسواق والطرقات له رأس وأذنين وعينان مثلهم، ذاك الشعب الذي يفصلونه ومن المحيط إلى الخليج وفق مقاييسهم هم، يختارون له نسبة من الوعي ومن الغباء، ومن عدم الإلمام بما يحيط به، يصنعون حوله  أفكارا جاهزة، وذات حمولة مكثفة من البلادة والجبن والسلبية ويهددونه في النهاية بالويل والثبور إن حاول فك القيود أو فكر حتى الفكير، في تكسير أغلال الإستعباد والطغيان.

إنه الشعب الذي في مخيلاتهم لا الشعب الحقيقي الحي المتفاعل، المفكر الواعي الثائر..الذي اتفق وأجمع ذات ربيع أنه يرفض تلفيفه في مثل هذه العلب القيمية الحقيرة، لقد أشعل خريج التوكتوك نقاشا شعبيا واعيا، تناقله العرب في أغلب بلدانهم، مفاده أن أي نظام سياسي خصوصا أنظمتنا الفاسدة هي في واد والشعوب في واد آخر.

أكد وأبرز حجم الوعي الشعبي بعد ربيع الشعوب وحجم الشجاعة التي تنتظر هذه الأنظمة في المستقبل القريب، سواء على مستوى فضحها وفضح مخططاتها اللاديمقراطية، أوعلى مستوى مواجهتها وإسقاطها، وهو الكابوس التي يدرك محللو وخبراء السلطة أنه إعصار مؤجل لا محالة وما صاحب التوكتوك إلا عينة من هذه الملايين التي تتربص لحظة الحسم..

إحنا مين.. وإنتو مين؟
شكل الربيع الديمقراطي الذي حاولت بعض التيارات تسفيهه قيميا بالنظر إلى حجم الضحايا الذي  خلفها تدخل جيوش وبوليس هذه الأنظمة، شكل قفزة تاريخية غير مسبوقة في رغبة الشعوب  عربية كانت أم أمازيغية في التحرر من ربقة الاستبداد والظلم، وإذا كانت بعض التوجهات السياسية تعتبر أنه كان خريفا وتلصقه تارة بالإسلاميين وتارة بقوى خارجية، فإن هذا لا يضر الشعوب التي هاجت ذات فبراير للصدح بشعارها التاريخي الشعب يريد..إسقاط الإستبداد…ولا ولن يثنيها عن المحاولة وإعادة المحاولة مرة ومرتين وثلاث وألف إن اقتضى الحال.

ولكن هذا الإلتفاف على رغبة المواطنين في التحرر يضع رواد الفكر المؤامراتي موضع شك أمام الحقيقة التي لا تقبل إثبات عكسها، وهي هذه الروح الرافضة للحكم المطلق تحت أي مسمى كان، وهذا العنفوان الشعبي الذي صار عدو الخوف من الشرطي والسجان ومن عبارة يحيا النظام..وعاش الحاكم ظل الله في الأرض…

إن مسألة الديمقراطية اليوم في عالمنا العربي باتت تشكل أزمة مركزية كسبب منتج وحاضن لكل هذا التخلف الشامل الذي نعيشه دون أدنى تجاوب وإبداء حسن النية من طرف الأنظمة الفاسدة المتربعة على أعناق أوطاننا بقوة السلاح والجيوش النظامية، الحامية للوضع القائم المستفيدة من ريعه وامتيازاته.

إن خيار الدمقرطة اليوم صار قدرا محتوما بالرغم من هذا النزوح نحو مقاومتها ولو بالسلاح والدبابات وبالتهديد والتهويل بالمؤامرات الخارجية، فالأنظمة المعلومة صارت هشة ومن شأن تصريح تلفزي لثلاث دقائق من طرف مواطن مقهور أن يهز أركانها ويقوض بنيانها لأنها لازالت ترفض استيعاب أن حكم الدولة ليس إلا علاقة تعاقدية بين الحاكم والمحكوم يؤطرها الدستور بوصفه القانون الأسمى للدولة الذي يجعل السيادة مطلقة للشعب،ولا يعتبر البلاد والعباد ..عزبة في ملكية الحاكم وأبناءه وعشيرته وزبانيته،يسيرها كيفما اتفق.

لم يعد بإمكان الحاكم الديكتاتور إقفال أبواب الوطن على رعاياه، وتخييرهم ما بين استبداده وعيشة الذباب،  لقد أصبح ذلك من الماضي، والمعتوه من لا زال يصارع طواحين الهواء لإقناع الشعب بإمكانية العودة إلى الوراء.

إن المواطنة وحق التمتع بكل الحقوق؛ حقوق أممية تكفلها المواثيق والعهود الدولية لكل إنسان على هذه الكرة الأرضية رغما عن أنف أي حاكم يقود أي عصابة في مكان ما..للسيطرة على الجماهير والأوطان وثرواثها..

قوى التغيير..المصير المشترك
من يتأمل تجربة الإسلاميين في مصر عقب ثورة 25 يناير وتداعياتها وما تلاها من أفعال وردود أفعال مؤسفة، لا يمكن إلا أن يقف على حجم الأخطاء الإستراتيجية التي وقعت فيها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لماذ دخلت كهوف بعض قادة الجيش دون توخي الحذر، وأيضا الإنفراد باتخاذ بعض القرارات الكبرى وإتاحة الفرصة للفلول بإعادة ترتيب وضعيتهم.

بعض الأنظمة  صارت هشة ومن شأن تصريح تلفزي لثلاث دقائق من طرف مواطن مقهور أن يهز أركانها ويقوض بنيانها،لأنها

ويبدو أن جماعة الإخوان قد اعترفت بهذه الأخطاء في تدبير مرحلة تاريخية بنفس جماعي تشاركي، كان من شأن ذلك أن يعبُر بأرض الكنانة إلى مصاف الأنظمة الصاعدة والتأسيس كذلك لتجربة ديمقراطية يتحمل الجميع مسألة بناءها وأيضا هاجس حمايتها.

ولأن الثورة حق دائم وأبدي للشعوب التواقة للتغيير والتحرر من قبضة الأنظمة البوليسية،  فإن الشقيقة مصر وباقي الدول العربية التي لا زالت لم تحسم مع قضية الديمقراطية  بعيدا عن هذا الإرتداد الذي تعيشه بعض الدول والأنظمة الفاشلة التي تعتبر أن مطالب الشعوب إبان الحراك العربي،عاصفة سرعان ما ستمر بعد الإنحناء لها، إن هذه الأنظمة وكما علمتنا دروس التاريخ ستشهد موجات ثانية من الثورات التي قد تكون عنيفة،أو حتى برتقالية أيضا.

وذلك بالنظر للانطباعات التي خلفتها بعض التجارب لأن سيكولوجية المواطن العربي والأمازيغي كذلك لم تعد تقبل بالظلم والتعايش معه، لقد تحررت من هاجس الحاكم الضرورة، والنظام السياسي الأبدي المحمي ببركات الآلهة ،لذلك نعتقد أن القوى التي لها مصلحة في التغيير وبناء الدولة على أسس سليمة ومتينة، مطالبة اليوم أكثر مما مضى بإيجاد الروابط والقواسم المشتركة فيما بينها،،بعيدا عن الإنفراد بالزعامة أو ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة.

إن أي تغيير في المنطقة مستقبلا لن يكون راسخا وشاملا إلا باتحاد كل قوى الشعب وتياراته وسائر تعبيراته السياسية والجمعوية والثقافية ،والتوافق على أساس برنامج حد أذنى يجد فيه الجميع مطالبه لدحر ما تبقى من عصابات الإستبداد والسلطوية، ولم لا استئصال هذا الوباء الذي يعيق تقدم أوطاننا والحيلولة دون وضع قطار تنميتها وتطورها على سكته الصحيحة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.