شعار قسم مدونات

الغربة والموت.. حين تتلاشى الفروق

blog- الغربة

إذا كان الموت هو انعدام الوجود بحيث تصير غائبا عن اللحظة والمكان، فإن المعنى المرادف لهذا الانعدام هو الغربة.

غربة مفروضة
يزداد الأمر سوءا اذا كانت الغربة رغما عنك وبغير إرادة منك، وكم من أشياء نفعلها في أوطاننا الحبيبة رغما عنا؟ آلاف بل ملايين هجروا من ديارهم بعيدا عن أوطانهم يوم أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وصارت البدائل المتاحة اعتقال حتى الموت، أو قصف بطائرة تهدم البيت فوق رؤرس ساكنيها.

وحتى في رحلة الغربة كان الموت حاضرا في كل خطوة، فوجدنا من بات جائعا أو غرقا أو من شدة البرد قبل أن يصل إلى مبتغاه، رغم أن كثيرين ممن وصلوا لم يكونوا أحسن حالا.

أنت ميت
شبه آخر بين الموت والغربة ذاك حين تغيب عن الموقف، وترد إليك الأخبار عن أهل أو أخوة غيّروا وبدّلوا وقررّوا دون علم أو إرادة منك، حتى فيما يخصك أنت… فكلامك ليس له أثر وإرادتك ما عادت ذات اهتمام، فالكل بات يقرر لك وعليك، فأنت لست هنا تمام كالموت. والحقيقة أن الغربة فاجعة يتم إدراكها على مراحل، ولا يُستكمل الوعي بها إلا بعد أن تعيشها بآلامها وحلوها ومرها.
بداية جديدة.

إن وطنا بقيود ليس وطني، وإن سجنا كبيرا ليس بلدى، وإن أملا ضاعا ليس أنا

وإذا كان الموت بداية حياة جديدة في الجنة، فقد كان لبعض المغتربين حياة جديدة، تنقطع عن مكان المولد ونطاق الصحبة والذكريات وكل شيء، كما لو أنها حياة أخرى في عالم آخر. والمضحك المبكي في الأمر أن الظلمة والمستبدين قتلوا الشوق للوطن والأرض والنَّاس، بعد أن باعو الأرض واستعبدوا العباد، فما عادت الغربة ألم كما كانت وما عاد للفراق لوعة، فكل شىء تدنس وكل ذكرى باتت تلاشي يوما بعد يوم، كما أنها لو لم تكن أصلا.

أسئلة المستقبل
على الجانب الآخر وبعيدا عن الآلام الشخصية للمغترب يقف فريق على الضفة الأخرى، يحسد ويحقد على أولئك الذين نجوا وهربوا وخرجوا، تارة يقول هم يجمعون المال وتارة يقول هم فلتوا من عذاب الاستبداد أو صعوبة المعيشة.. لكن الحق يقال إن ذاك أضعف ما يشغل المغترب الذي ربما فعلا يكون كذلك لكن في ظروف أخرى تكون الغربة فيها بإرادة ورغبة وطلب.

أكثر ما يشغل المغترب ليس الحساد ولا الحاقدين ولا قوت اليوم ولا حتى الموت… أكثر ما يشغله هو الإجابة على تلك الأسئلة اللعينة التي تغيب فتعود أكثر ضراوة.. ماذا بعد؟؟ ما هي مفاجآتالمستقبل؟؟ هل هناك أسوأ؟؟ وتبقى أسئلة كثيرة حول المستقبل ولياليه السود.

نعمة الحرية
الحرية هي النعمة الكبرى التي اشتراها المغترب بكل معاناته هذا هو الثمن، ولسان حاله يقول إن وطنا بقيود ليس وطني، وإن سجنا كبيرا ليس بلدى، وان أملا ضاعا ليس أنا. رغم ذلك سمعت ورأيت من يلعن الغربة ومستعد أن يعود إلى الأسْر أو أن يبقى في الذل ولا يتحمل عذابات الغربة فهي كالموت… ومنْ منّا يطيق الموت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.