شعار قسم مدونات

فيكَ لا في السماء

Blogs - sky
رُبما كانت إحدى أسباب ارتدائي للحجاب خوفي مما قالته لي صديقتي قبل سبعة أعوام من الآن، أن من تكشف شَعرة واحدة من شعرها ستُعلق منها في الجحيم. وإقامتي للصلاة كانت خوفاً من أن أصبح كافرة؛ لأن أول ما بدأ به مُعلم الدين في الصف الأول الإبتدائي حديثه كان أن الفرق بين المسلم والكافر هو الصلاة. وكنت أصوم رمضان خوفاً من أن أُكشف أمام صديقاتي في المدرسة عندما يتحققن من الصائم بشد جلد سبابته، وكنت أفشل دائماً في اختبارهن هذا رغم أني صائمة، فأمضي النهار بطوله أُقسم لهن أني صائمة دون جدوى.

مازلت أبحث عن الله في رحمته التي وسعت كل شيء، والتي لم تسع عقول هؤلاء جميعاً، الذين لم يحفظوا من أسمائه سوى الجبار والمنتقم والقهار.

كنت أحفظ القرآن لأنه فُرض عليّ حفظه في المدرسة. كنت أقف عند النافذة أُحدق بالسماء، قد تمر ساعة أو أكثر وأنا مازلت أحدق بالنقطة ذاتها، كنت أعتقد أني إن تمعنت ودققت النظر سأرى الله، فقد كنت أسمع طوال الوقت من الجميع أن الله في السماء، ويرانا، فاعتقدت أنه قريب بما أنه يرانا، وسأستطيع رؤيته أيضاً.

لا أذكر غالباً أيام طفولتي، إلا أن يوماً واحداً مازال عالقاً في ذاكرتي حتى اليوم بكل تفاصيله. كنت في صف الروضة، أنتظر قدوم أخي أو أختي لنعود للمنزل. كانت الأجواء صاخبة جداً من حولي، الأطفال يركضون ويصرخون كالمجانين، رُبما كنت أنا الوحيدة الجالسة في مكانها بهدوء رغم عدم وجود معلم أو رقيب، أُحدق في الجميع، ثم أحدق في يدي، وأمسكها، وأتساءل "ما نحن؟" ثم يقترب مني طفل فأسرع بإمساك يده قبل أن يعود إلى الركض مجدداً، كنت أتأكد فقط من وجوده، لم يكن عقلي ليستوعب ماذا نحن وكيف! وعندما عدت إلى البيت أمسكت بكل شخص مررت به لأتأكد من وجوده، واستمر هذا الهاجس لفترة ليست قصيرة حتى تأكدت من أننا موجودون بالفعل، لكن بقي سؤال كيف ولماذا دون إجابة.

اليوم، دائماً أمشي وعيناي تنظران إلى الأرض، يعتقد أغلب من يراني هكذا أني حزينة، لكني أتعمد عدم النظر إلى السماء طوال الوقت، مازلت أحاول أن أُحدّث الله دون أن أحدّق في السماء باحثة عنه، مازلت أحاول أن أراه بداخلي أنا، في "سمائي" أنا.. أبحث عنه في رحمته التي وسعت كل شيء، والتي لم تسع عقول هؤلاء جميعاً، الذين لم يحفظوا من أسمائه سوى الجبار والمنتقم والقهار، الذين يعتقدون أن الله قد خلقنا ليعذبنا، لم يخلقنا الله ليعذبنا، قد يغضب منا قليلاً ومن أفعالنا الشنيعة، يؤدبنا، ويبتلينا قليلاً؛ لنحيد عن ذنبنا، ونعُد إليه. يُريدنا فقط أن نستغفره أكثر، ونقطع العهد أمامه على أنفسنا أن لا نغضبه عمداً ما حيينا قط.

الله أجمل بكثير مما نتخيل، تحتاج فقط أن تحبه بصدق، تحبه بقلبك وعقلك وروحك، تحبه بكل ما فيك، وسيحبك هو أيضاً، وإذا أحبك الله فلن يُحزنك شيء قط.

وكأنه يريد أن يُرينا الفرق بين الحياتين، حياة بقربه مكللة برضاه وحبه، وحياة بعيدة عنه، تمضي بغضب منه وإعراض عنا. ورغم أننا نعلم أن الفرق بينهما شاسع جداً، كالفرق بين نسمات الجنة ولفحات النار، إلا أننا نعود في كل مرة لحياة البؤس، لنسقط في قعر جحيم الدنيا، ثم ننتبه، فنصعد، ونقترب منه، ونوعده بأن لا نعود، ونعُد. فنكرر الوعد مرات ومرات، ونُخلفه، ونندم، ونستغفر، ونبكي، ونعتقد أنها الأخيرة، ونُقسم على أن تكون الأخيرة، ولكننا نعُد. وفي كل مرة يقبلنا الله، ويبتسم لنا، ويفتح لنا أبواب رضاه وعفوه على مصراعيها، رغم أننا وعدناه وأخلفنا، رغم أننا أغضبناه مراراً وتكراراً، إلا أنه يسامحنا، ويعطينا ملايين الفرص للتقرب منه ونيل رضاه.

فالله يُحبنا جداً، الله أجمل بكثير مما نتخيل، يحتاج فقط أن تحبه بصدق، تحبه بقلبك وعقلك وروحك، تحبه بكل ما فيك، وسيحبك هو أيضاً، وإذا أحبك الله فلن يُحزنك شيء قط. مازال الأمر صعباً، هو أصعب شيء على الإطلاقن أن تؤمن تماماً أن الله بداخلك أنت، لا في السماء كما لقّنونا في صف الروضة المزعج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.