شعار قسم مدونات

فصل الدين عن الدولة.. ضياع الهوية

blogs-مسجد

تزاحمت في وقتنا هذا المصطلحات وبرزت مفاهيم جديدة عن الدولة والسلطة والشرعية وكثر أتباع كل تيار وأصبح الإنسان في تخبط وحيرة من أمره، وخاصة لتلك الدعوات وأولئك الأشخاص الذي يتلونون كالحرباء ويدسون السم في العسل. "فصل الدين عن الدولة" هذه الدعوة المشبوهة التي تدعو ليلاً نهاراً لفصل الدين وحبسه في المساجد والأوقاف كانت وما زالت تكيد لهذا الدين العظيم الشر والعداء.
 

جرب الناس كل النظريات الشرقية والغربية واليمينية واليسارية والشيوعية والرأسمالية ولم ولن يجدوا ضالتهم إلا بالإسلام الذي شرعه الله عز وجل ليكون صالحاً لكل زمان ومكان وهو الدين الذي ارتضاه تعالى للبشرية جمعاء،
قال تعالى "إن الدين عند الله الإســـــلام"
وأغلب الناس لا يعلم ماهية هذه المصطلحات وما تخفيه من عداء للإسلام. وسأتناول بشيء من التبسيط تعريف كل مصطلح وما يهدف إليه:
 

العلمانية وهي اللادينية أو الدنيوية
والعلمانية في قاموس أكسفورد: مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني، واشتهرت باسم العلمانية ولعل ذلك كان مقصوداً بغية إظهارها بمظهر يجعلها مقبولة بين المسلمين وعلى أنها تدل على العلم والمعرفة وهذا خلط كبير. ويقول أنصارها: لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة.
 

نشأ لفظ دولة مدنية في أوروبا عقب عصر النهضة ليضاد مفهوم الدولة الدينية التي عاشوا في كنفها مئات السنين تحت حكم الكهنة والكنيسة

وتعود جذور العلمانية إلى الفلسفة اليونانية القديمة أمثال إبيقور وظهرت في أوربا في القرن 17 وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن 19. أبرز المفكرين الغربيين توماس جيفرسون وفولتير وجان جاك روسو، أبرز دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي أحمد لطفي السيد وإسماعيل مظهر وقاسم أمين.
 

تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة، وهذا واضح فيما ينسب للسيد المسيح من قوله "أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله". أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كله لله وحياته كلها لله
قال سبحانه وتعالى: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" سورة الأنعام.
 

الليبرالية
وجه آخر من وجوه العلمانية، وتعني في الأصل الحرية أي أن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء، فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه وعابد هواه غير محكوم بشريعة من الله تعالى. والليبرالية السياسية تقوم على التعددية الفكرية والتنظيمية الحزبية. والليبرالية الفكرية تقوم على حرية الاعتقاد أي حرية الإلحاد وحرية السلوك والتصويت الديمقراطي هو الوحيد الذي توضع به القوانين والأنظمة التي تحكم المجتمع حتى لو كانت نتيجة التصويت مخالفة لشرع الله.
 

فحكم الأغلبية من الأصوات هو القول الفصل في كل شؤون حياة الناس العامة سواء عارض الشريعة أو وافقها، أبرز المفكرين الغربيين: جون لوك وآدم سميث. أبرز دعاة الليبرالية في العالم العربي والإسلامي: تركي الحمد ومأمون فندي ورائف بدوي. فكثيرة هي الأفكار والنظريات والمذاهب الهدامة التي صنعها اليهود على أعينهم وصاغوها ثم نشروها في العالم وأشغلوا الناس بها فمن ماركسية إلى داروينية إلى فرويدية إلى ماسونية وليبرالية وعلمانية.
 

الديمقراطية
كلمة لاتينية وتعني حكم أو سلطة الشعب، بدأ تداول كلمة الديمقراطية في أوروبا منذ القرن 17، أما بالنسبة للعرب فلم تدخل كلمة الديمقراطية اللغة العربية إلا من خلال الغرب في أواخر القرن 19. من عناصر الديمقراطية: توافر الحريات الأساسية مثل حرية التعبير عن الرأي والصحافة، وجود انتخابات حرة ونزيهة والتعددية السياسية وفصل السلطات. أبرز المفكرين: أفلاطون وجان جاك روسو.
 

الدولة المدنية
هي دولة تقوم على أساس المواطنة المتساوية بمعنى أن كل مواطن في الدولة يتساوى مع كل مواطن آخر، فالمواطنون في الدولة المدنية سواء في الحقوق والواجبات لا تفرقة بينهم لأي سبب من الأسباب طالما كانوا يحملون جنسية الدولة أي طالما كانوا مواطنين في الدولة.
 

نشأ لفظ دولة مدنية في أوروبا عقب عصر النهضة ليضاد مفهوم الدولة الدينية التي عاشوا في كنفها مئات السنين تحت حكم الكهنة والكنيسة، تبني الدولة المدنية الحديثة معاملاتها الداخلية والخارجية وفق نظرة ضيقة تتعصب للوطن ولأبناء الوطن وتسعى لاستعلاء هذا الوطن وأبنائه على غيرهم، وهذه الغاية تبرر اتخاذ كافة الوسائل لتحقيقها دون ارتباط بقيم أو مراعاة لمبادئ. ومن أشهر من أطلقوا شعارات الدولة المدنية هم الفرنسيون عندما قالوا في ثورتهم: سنشنق آخر ملك بأمعاء آخر قسيس.
 

الحكم بالكتاب والسنة
لقد أمر الله الأمة بالاجتماع واتحاد الكلمة وجمع الصف على أن يكـون أساس هذا الاجتماع الاعتصام بالكتاب والسنة والحكم بما أنزل الله هو ما فرضه الله تعالى بالحكم بشريعته، وأوجب ذلك على المسلمين وجعله الغاية من تنزيل الكتاب
فقال سبحانه "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا"
وقال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً".
 

أصبح مصطلح الدولة الدينية محملاً بمعاني لا ترتبط بالمشروع الإسلامي، ولكن تم صياغته ليحاصر المشروع بمعان سلبية وتدخل الحركات الإسلامية في دائرة الدفاع عن مشروعها

لم يقرر القرآن أصلا بعد توحيد الألوهية كما قرر هذا الأصل العظيم "وجوب الاحتكام إلى الكتاب والسنة وطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل ما جاء به. قال ابن كثير: فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر.
 

إن مصطلح الدولة الدينية تمت صياغته لإخافة الناس من الحركة الإسلامية، رغم أن التعبير باللغة العربية لا يعني سوى الدولة التي تستند لمرجعية الدين في مقابل الدولة غير الدينية التي لا تستند لمرجعية الدين، ولكن تم إلحاق تعبير الدولة الدينية بمعنى الدولة الثيوقراطية والتي تقوم على الحكم بالحق الإلهي المطلق حيث يزعم الحاكم أنه يحكم نيابة عن الله وأنه مفوض منه والدولة الدينية، بهذا المعنى لا توجد أصلاً في الإسلام وهي نموذج غريب على الخبرة التاريخية الإسلامية.
 

لذا أصبح مصطلح الدولة الدينية محملاً بمعاني لا تحتملها اللغة ولا ترتبط بالمشروع الإسلامي ولكن تم صياغة هذا المصطلح لتكوين صورة سلبية يتم إلصاقها بالمشروع الإسلامي حتى يحاصر بمعان سلبية وتدخل الحركات الإسلامية في دائرة الدفاع عن مشروعها، فمن المبادئ التي يقوم عليها النظام الإسلامي العدل والشورى والوسطية والواقعية. فتلك المبادئ جعلت من الإسلام نموذجاً مستقلاً في نظمه وهو في الوقت ذاته لم يتأثر بأي نظام من النظم الوضعية في العالم المعاصر بل بقي وسيبقى على استقلاليته على مر العصور والأزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليه.
 

الإسلام هو الدين العظيم الذي ارتضاه رب العالمين للبشرية جمعاء، فقد واجه الإسلام منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يزال وسيبقى يواجه الحروب والفتن ومؤامرات الشر والحقد إلى أن يأذن الله عز وجل بنصرة الإسلام وبلوغ هذا الدين مشارق الأرض ومغاربها. فما علينا إلا التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا ونتوب توبة عاجلة صادقة حتى نحكم شرعنا الحنيف ونسترجع مقدساتنا ونعيد أراضينا المحتلة ونسود العالم ونرجع كما كنا خير أمة أخرجت للناس،
قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.