شعار قسم مدونات

"وأَشرِكهُ في أمرِي".. لمعةٌ قرآنية

blogs - quran
"وأشركهُ في أمري".. ليست عنواناً لمحتوى نقرؤه سريعاً ثم نطوي عنه صفحًا مهرولين إلى أعمالنا .. ولا حروفاً تتبعثر على شفاهنا ثم ما نلبث أن ننساها .. ولا هي خاطرة بعيدة عن تكوين أرواحنا !
إنها آية عظيمة .. اختصرت مسافات الرّوح لتصلَ إلى عُمق المقصد الإلهي، وكلمات ربّانية في غاية الجمال .. ذات دلالة عميقة على طبيعة الذات الإنسانية .. حملت في معانيها جرعات من الحبّ، وباقات من الأنس ..

"وأشركهُ في أمري": دعوة للشّراكة بين بني الإنسان مهما بلغوا من علوّ المراتب، ومهما امتلكوا من إمكانيات وقدرات .. فالنبي موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ على الرّغم من المعجزات التي حباها المولى عزّ وجل له إلا أنه طلب من الله عزّ وجل أن يكون هارون شريكاً له في أمره، بل عَدَّ ذلك سبباً من أسباب نجاح دعوته الكريمة واستمرارها: "واجعلْ لي وزيرًا منْ أهلي، هارون أخي، اشدُد به أزري، وأشركهُ في أمري" طه : 29-32 ، ليُلحق ذلك بالأسباب التي تزيد في التوفيق والنّصر، وترفع عُدّة الإنسان الرّوحية الإيمانية، فقال "كي نُسبّحك كثيرا ونذكرك كثيراً" طه: 33- 34، فكانت النتيجة أنْ أعانه المولى عز وجل به؛ لأنه سبحانه وتعالى يريد للدّعوة أن تؤتي أُكُلها، فقال جلّ في عُلاه "قد أوتيتَ سُؤْلَكَ يا موسى" طه : 36 .

"وأشركهُ في أمري" أعمق مما نظن.. وأرقّ مما نشعر.. آية تختصر مسافاتٍ في الحياة..

"وأشركهُ في أمري" لفتة حُبّ تختصر مسافات الرّوح لتأكد لنا ضرورة المشاركة لنستمر وننجز، فالفردُ منّا مهما كانت مواهبهُ وقدراته، ومهما كانت شخصيته؛ إلا أنه يبقى في احتياجٍ دائم لشريك يشدُّ من أزره، ويؤنسه ..

"وأشركهُ في أمري" لفتة للشراكة في الهدف والمعنى، ودعوة للتأمل والتفكر في آيات القرآن الكريم..

"وأشركهُ في أمري"لمعةٌ قرآنية تلفتنا إلى أنّ من يشاركنا حياتنا بتفاصيلها.. ـفي أفراحنا وأحزاننا.. في أُنسنا ووحشتنا.. نجاحنا وخسارتناـ ليس شخصا عادياً! بل هو رفيق الطريق والملهم فيه!

"وأشركهُ في أمري" دعوة لـ "آدم" كما هي لـ"حوّاء" في أن يتخيّرَ كلٌّ منهما شريك حياته على أسسٍ تساهمُ في نجاح تلك الشراكة: روحياً ومعنوياً ودعوياً.. لعلّها تعيد إلينا تلك المعاني الراقية السامية التي بدأنا بافتقادها واحدة تلوَ الأخرى في مجتمعاتنا حينما أهملنا ديننا وأنفسنا وأرواحنا.. وحينما جعلنا وسائل التواصل الاجتماعي محطّ أنظارنا واهتمامنا الأول ..وبدأنا بتلقي ثقافتنا منها ! بل حينما جعلنا اختياراتنا لشركائنا في الحياة خالية من الأسس القيمية والمفاهيم الرفيعة!

"وأشركهُ في أمري" أعمق مما نظن.. وأرقّ مما نشعر.. آية تختصر مسافاتٍ في الحياة..

اللهمّ اجمعنا ومن تحب على حبّك وطاعتك.. وأشركنا بأمر دعوتك، واجعلنا من أهلك.. ويسّر لنا أمورنا الظاهرة والباطنة كبيرها وصغيرها، واشرح لنا صدورنا بالإيمان والمحبة واليقين.. واحلل عُقدَ ألسنتنا بالخير والنور المبين، اللهمّ آمين آمين آمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.