شعار قسم مدونات

ذكريات من الجنة وليست من المعتقل..! (1)

blogs - syria

بداية.. لابد من الحديث عن تلك الأيام العشرة التي سبقت اعتقالي..

قبل رمصان بأيام، وتحديداً بتاريخ 27-7-2011م.. في ليلة من ليالي الصيف، هب كل من في المدينة، وقطعوا الطرقات، ونصبوا الحواجز.. لمنع الأمن من مداهمة بعض المنازل.

في الأيام الأولى شعرنا بنشوة الانتصار، ولا سيما مع حرب الشائعات التي انتصر فيها النظام علينا، وكانت على رأسها مقتل المحافظ ومقتل "جامع جامع".

ولكن ما لبث طويلاً حتى بدأ الخوف يدق أبواب القلوب، مع تلك الشائعات التي يمر بها علينا أولئك المجاهيل، الذين كانوا يمرون من الحواجز التي نقف عليها، وكانت جميعها تتحدث عن اقتحام قريب للمدينة سوف يقوم به جيش بشار مع الشبيحة انتقاماً لمقتل المحافظ ومقتل جامع!

بدأت زخات الرصاص تقطع ذلك الصمت، وبدأت تلك الانفجارات، تملأ الأجواء دوياً مخيفاً.. لم نكن في حينها قد اعتدنا عليها..

بدأ الخوف يجري في العروق، ودقات القلوب تزداد خفقاناً، والأنفاس تتعالى.. بدأ الناس بالهروب من المدينة باتجاه الأرياف.. في كل يوم كانت هناك عشرات العوائل تمر من أمام أعيننا، نراها وهي تغادر.

كان الوقت فجراً، وكان الهدوء مخيفاً، وكأن المدينة خلت من سكانها.. صعدت إلى أحد الأبراج لأرى ما هو الخطب؟!

شاهدت دبابتين أغلقتا "جسر السياسية" الذي هو أحد منفذي المدينة إلى خارجها. عرفت في حينها أن ساعة الصفر قد حانت، ونواقيس الخطر قد دقت، شعرت بالخوف قليلاً، لأنني أعلم يقيناً أن سوف أقُتل أو أُعتقل لا محال. 

نزلت مسرعاً إلى الشباب الذين كانوا معي على ذالك الحاجز.. قلت لهم: لقد بدأ الإقتحام.

صمتوا جميعاً، ورأيت الخوف في أعينهم، وقرأت في وجوههم رغبة الهرب.. ولكن الخجل كان يمنعهم.
صوت غريب.. لكنه مرعب.. يالله.. ما هذا؟!

بدأت زخات الرصاص تقطع ذلك الصمت، وبدأت تلك الانفجارات، تملأ الأجواء دوياً مخيفاً.. لم نكن في حينها قد اعتدنا عليها..

أخرجت جوالي الحديث وقررت توثيق تلك اللحظات، طلبت من رفاقي الصمت.. تنفست عميعاً.. ثم بدأت التصوير.. قائلاً
"7-8-2011م، الساعة السادسة صباحاً، بدء اقتحام الجيش لمدينة دير الزور".

كان هذا الفيديو لا يتجاوز الدقيقة وثلاث ثواني.. صورته بيأس.. ولم يخطر ببالي حينها أن أغلب القنوات سوف تتخطفه..

ذهبت مسرعا إلى "سام"، وهو المسؤول عن رفع الفيديوهات أنذاك في "شبكة الناطق الرسمي لثورة الفرات في سورية"، سلمته إياها ثم قفلتُ راجعاً، فلم أجد إلا واحداً من أصحابي، الذين انصرفوا.

حار قلبي، طار عقلي، ولم أدري ماذا أفعل، وماذا أصنع، فأنا الآن وحيد.. فأهلي قد نزحوا من المدينة، وتفرق عني أصحابي، كانت الشوارع موحشة، كنت أتعلق بأي شيء، وأبحث عن مؤنس..

بدأت أسير في الطرقات لعلي أحظى بمنشودي، ولكن الشوارع التي رأيتها اليوم، ليست كالشوارع التي رأيها أمس!

أين أختفت جموع البشر؟! أين أختفت تلك الحواجز الكثيرة؟!
أين أختفت تلك الأسلحة التي كان بعض الصبية يتفاخرون بحملها؟!

جائني الآن خاطر.. وقررت أن..
يتبع إن شاء الله

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.