شعار قسم مدونات

حالة الإبداع العربي

resident works at a workshop to produce fans and wind turbines in order to generate electricit
حالة الإبداع في العالم العربي تشي بالضعف والترهل الذي يضرب أطنابه في عالمنا العربي في معظم المجالات باستثناء بعض الحالات الفردية القليلة؛ فالإبداع يتم قتله في المهد مع أول ظهوره، فالطفل الذي فُطر على الفضول وطرح التساؤلات يُقمع بشدة بحجة أنه لازال صغيراً ولا يفهم، أو لعدم القدرة على توفير الإجابات التي تناسب سنه، والأسوأ من ذلك هو الكذب بتقديم إجابات غير صحيحة أو غير مقنعة.

ثم ينتقل قتل الإبداع إلى المدرسة حيث التلقين والحفظ عن ظهر قلب هو السمة الغالبة في مناهجنا التعليمية بعيداً عن التفكير النقدي الذي يطلق ملكات العقل للتعلم والاستكشاف، كما أن طرق ووسائل التعلم ظلت على حالها دون تغيير منذ عشرات السنين، فتكون النتيجة حشواً للأدمغة بمعلومات لا يلبث أن تتسرب من الذاكرة مع نهاية العام الدراسي.
 

كما نرى غياب الإبداع جليًّا في اختيار التخصصات الجامعية التي غالباً ما تنحصر في تخصصات مكررة لا تواكب سوق العمل، ولا تلبي حاجة المجتمع.
 

ثم يتم الإجهاز تماماً على الإبداع في بيئة العمل، فالكثير من المسؤولين لا يسمحون للموظف أن يخرج عن حدود التعليمات، إما جهلاً بأهمية الإبداع في بيئة العمل، وإما خوفاً من هذا الذي بقي به شيء من الإبداع والابتكار في رأسه حتى لا يهدد كرسي المسؤول، أو حفاظاً على هيبته الفارغة أمام موظفيه.
 

يمكن تنمية الإبداع عن طريق تطوير مناهج التعليم، وتشجيع التفكير النقدي بحيث يصبح سمة غالبة في الأجيال القادمة، وليس ذلك بمستحيل متى ما توفرت النوايا الحسنة والخطط الصحيحة لتحقيق هذا الهدف.

حالة الإبداع تمتد حتى إلى باقي مجالات الحياة الكثيرة، فقلما تجد إبداعاً في الخدمات التي تقدمها المصالح الحكومية للمواطنين، ولا تجد إلا القليل من الإبداع في المحال والشركات التي تقدم خدماتها للجمهور بطريقة بدائية وغير جاذبة للشراء، وكذلك يندر أن ترى إبداعاً في تعامل الناس مع بعضها البعض، فتجد تلك الكلمات التي قلت استعمالاً على مدى عقود طويلة رغم ما تزخر به اللغة من مفردات بديعة.

ثم تعال انظر إلى حالة الإبداع في وسائل الإعلام المختلفة التي لا تزال تخاطب جمهورية بلغة بعيدة عن مفردات العصر، وتجد الأفلام والمسلسلات والبرامج هي ذاتها التي كانت تُقدم في السبعينات مع اختلاف بسيط في الشكل والعنوان، فهجرها الجيل الجديد ليجد مبتغاه في وسائل التواصل الحديثة، وإن وجد الإبداع في بعض البرامج فهو نسخة معرّبة من البرامج العالمية لا تراعي الخصوصية الثقافية ولا العادات الاجتماعية ولا القيم الأخلاقية.

بل والأمر من ذلك هو غياب شبه تام للإبداع في المجال الدعوي والديني، فلا يزال الكثير من الدعاة يخاطب جمهوره بلغة السجع والمقاربة والتكلّف في ذلك، وعدم التجديد في تناول المواضيع الحديثة فما عاد أحد يهتم بما يقوله خطباء المساجد إلا القليل، وحتى تناول المواضيع التاريخية لا يزال بنفس النهج القديم الذي كان منذ قرون، ولَم يعد يفي بمتطلبات العصر، وأصبح غير قادرٍ على اجتذاب الشباب والنشء الأصغر.
 

مع ذلك لا يزال الأمل موجوداً في اكتشاف الإبداع وتنميته وتطويره في حال سمحنا للعقول الصغيرة أن تسأل وتستكشف ما حولها، وأقمنا أسساً راسخة من الحوار البنّاء بعيداً عن الأوامر، كما يمكن تنمية الإبداع عن طريق تطوير مناهج التعليم، وتشجيع التفكير النقدي بحيث يصبح سمة غالبة في الأجيال القادمة، وليس ذلك بمستحيل متى ما توفرت النوايا الحسنة والخطط الصحيحة لتحقيق هذا الهدف، وتحويل الإبداع من فكرة نظرية إلى أسلوب حياة وعمل يغلب على مجتمعاتنا فينقلها إلى آفاق أرحب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.