شعار قسم مدونات

ليتَهُ ما ترشَّح لفترة ثانية..!

العلم الصومالي

مع اقتراب موعد الانتخابات غير المباشرة في الصومال، ليست هناك معالم انتخابية ومشاريع وطنية واضحة؛ حيث لا استطلاعات للرأي العام ولا مناظرات عامة، ولا أثر لقيادات شعبية تشرئب لها الأعناق ويُعقد عليها الآمال.

وكل ما في الأمر أن هناك اجتماعات تتم في الخفاء ومساومات وتحالفات غير جادة، بالإضافة إلى تنبؤات وتمنيات أشدها مرارة قول بعضهم "ليته ما ترشح لفترة ثانية" مما يشير إلى أن ثمة استياءا شعبيا وعزوفا عاما عن سماع مرشح تفوح منه رائحة الاستقواء بالسلطة أو بأموال وألقاب اكتسبها باسم الشعب؛ وذلك خوفا من تداعيات سلبية على المدى المنظور .

من باب العمل بأخف الضررين يفضل بعض الناس بقاء الرئيس السابق على رئيس جديد، معتبرين أن بقاء السابق خير من مجيء شخص خالي الوفاض

وفي السياق ذاته يثار تساؤلات كثيرة حول تصدُّر رئيسي السابق والحالي في قائمة المرشحين الأوفر حظا للفوز بالسباق الرئاسي في الصومال بحسب استطلاعات غير رسمية، وهذا بدوره يجعلنا نتساءل عن العوامل التي أدت إلى هذا النوع من التفوق الملحوظ والفارق الكبير الذي جعل المرشحين الآخرين أقزاما من الناحية المادية وغير قادرين على مواصلة المسيرة نحو قصر الرئاسة ولاسيما بعد أن أصبح العامل المادي الفيصل المحدِّد لتقدُّم مرشح ما في الانتخابات الرئاسة المقبلة .

يرى المراقبون أن الواقع الصومالي الحالي – بظروفه المادية وتناقضاته الاجتماعية القبلية المعقدة – ليس مهما مجرد التداول السلمي للسلطة؛ وإنما المطلوب أيضا تداول القبائل الصومالية للسلطة حفاظا على التوازن العام ومراعاة للمعايير المنطقية الخاصة بالصومال، مما يلعب دورا كبير في احتواء الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي يكون في ازدياد مطَّرد في ظل عياب الديمقراطية الحقيقية وما يرتبط بها من سيادة القانون واستقلال القضاء وحماية الحقوق والحريات العامة.

ويضاف إلى ذلك ما يخص الوضع الصومالي من تراجع أو نقصان السيادة الوطنية بفعل التدخل الأجنبي وبقاء دواعي استمراره من الحركات الإرهابية وعدم جدية القادة السياسيين في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية تمهد الطريق لتوافق فعلي يحول دون انزلاق البلاد نحو مزيد من التمزق والخراب الشامل .

ومع رجحان عدم عودة رئيس سابق إلى السلطة بناء على تجارب سابقة يقارن البعض بين أن يسلِّم الرئيس السلطة لمن يأتي بعده مهزوما منبوذا وربما مفلسا بسبب أعباء وتكاليف الترشح للانتخابات، وبين أن يسلِّمها مرفوع الرأس محتفظا قدرا معينا من الاحترام الشعبي الذي يؤهله للترشح مرة ثانية في فترات لاحقة.

الصومال أمام خيار سياسي صعب – إن لم يكن الأسوأ في المنطقة – بسبب جشع السياسيين وهرولتهم المفرطة وراء مصالحهم الشخصية

ومن باب العمل بأخف الضررين يفضل بعض الناس بقاء الرئيس السابق على رئيس جديد؛ معتبرين أن بقاء السابق خير من مجيء شخص خالي الوفاض – صفر اليدين – يشمَّر عن ساعديه لملء حقائبه الفارغة من الأموال العامة . وهي فلسفة مستهلكة يصعب استيعابها بالنسبة لكثيرين من أصحاب العقول النيرة.

وفي ذلك يذهب البعض إلى أنه ليس هناك من يعطى اهتماما بالسمعة الحسنة ودراسة الفرص المستقبلية، والتفكير في نتائج الانسداد الأفق السياسي في البلاد؛ وبالتالي نحن أمام خيار سياسي صعب – إن لم يكن الأسوأ في المنطقة – بسبب جشع السياسيين وهرولتهم المفرطة وراء مصالحهم الشخصية بعيدا عن شيم السياسي الوطني المستقيم الذي يبني مواقفه على مبادئ وأهداف وطنية نبيلة.

ويشار إلى أنه تقل حدة الوطأة قليلا عندما ندرك أن أغلب البدائل الأخرى المتاحة عبارة عن هياكل وطنية من الخارج ومحشوة من الداخل بأجندات أجنية يتلقون على أساس وفائهم وتنفيذهم لها دعما متعدد الجوانب، وهي دائرة – بحسب بعض المحللين – يدور فلكها معظم المشاركين في سباق الرئاسة بدرجات متفاوتة وبمختلف خلفياتهم الفكرية، وربما بداعي الضرورة لدى بعضهم؛ ولا عزاء لأصحاب المبادئ وحماة الوطن الأوفياء – مع قلة إمكانياتهم وتماسكهم – فإنهم يعوِّلون على مرحلة قادمة تشهد – وإن طال الزمن – انتخابات مباشرة ونزيهة في الصومال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.