شعار قسم مدونات

لمن تكتُبنَ؟

blogs - typing
أصبح من الواضح لأيّ متابعٍ لوسائل التواصل الاجتماعي، إقبال الشباب الكبير على التدوين في مختلف المنصات الإلكترونية، وإن كانت بعض التدوينات ليست بالمستوى المتوقّع -وخاصّتي إحداهنّ- وتدفع للإحباط والزّهد بمستقبلِ التّدوين برمّته، مع ذلك يمكنُنا القول أنها تبقى خيار أفضل للشباب مقابل انتشار ظاهرة التدخين مثلاً!

وفي هذا السّياق أكثر ما يلفت انتباهي هو مواضيع تدوينات العُنصر النسائي، والتي في معظمها تتناول قضيتين رئيسيتين:
1- كيفية تعاطي المجتمع مع العمر المحدَّد للزَّواج ومِن ثمّ الإنجاب.
2- الحجاب أو خلع الحجاب.

من أنت بالنسبة لها؟ لا شيء. نعم، أنت لست بالأهمية التي تعتقدينها بالنسبة لهنّ، لم يقضين الليالي بالتفكير بك، ولا حتى ساعةً أو دقيقةً واحدة.

ولا أعلم إن كنت وحيدةً في هذا إلا أنني في الكثير من الأحيان أتساءل ما إذا كنت أتصفح الموقع الفلاني للتدوين، أو الصفحة الرسمية للاتحاد النسائي!

حسناً، أنا من أشدِّ الناس تأثراً وإعجاباً بوعي وطريقة طرح أولئك النساء الشابات، لكن، لمن تكتُبنَ؟

وقبل الإجابة على سؤالي، و بخصوص القضية الأولى الممثلة بالضّغط الاجتماعي على الفتيات العازبات، أو المتزوجات مِمَّن لم يقرِّرن الإنجاب بعد، دعوني أخبركم من هم الشريحة التي من المفترض أنّها المستهدفة بهذه التدوينات، وذلك وفقاً لملاحظاتي وتجاربي الشخصية كأحد الناجين من التحول في هذا المجتمع!

من هُنّ؟ في الغالب هن رباتُ منزلٍ جيداتٌ جداً، مدبراتٌ، واسعاتُ الحيلةِ، زوجاتٌ صبورات، لربما لسن النموذج الأمثل للأمهات من وجهة نظرنا لكنهنّ بالطّبع أمهاتٌ عطوفاتٍ ومضحياتٍ.

لم تكن إرادة إحداهُن عندما نشأت بهذا المحيط الذي قلَّم أحلامها، وحصرها بالحصول على "زوج" ومنزل يجاور والدتها ومن ثم أطفال جميلي المظهر، هي لا تكترث كثيراً -كما هو حالك- لقدرات هذا الزوج العقلية، وقابلية الانسجام معه، وتطابق الأفكار والرؤى المستقبلية، ومدى توافق الخطط قريبة وبعيدة المدى، بالإضافة إلى طبيعة كيمياء الحب المتبادلة بينهما ودرجة إفراز الأوكسيتوسين!

هي لا تكترث لهذه "التّرهات"، وفقاً لها هو زوج، عملت بجدٍ على مدى سنين ومع الكثير من التدريب للظّفر بقلب والدته، وبالتالي الوصول له، حتى تستطيع البدء بعيش أنوثتها الحقيقية التي لطالما سمعت عنها ووعدت بها.

وإذا كان لا زال يراودك الشك عن مدى جدية كلامي يمكنك العودة إلى المثل الشّعبي الشهير "من هي وباللّفة بتحلم بالزّفة"، ولم يذكر عدا ذلك أياً من أقوال مستغانمي أو غادة السمان أو أيا من قوانين حقوق المرأة المنصوص عليها عالمياً.

من أنت بالنسبة لها؟ لا شيء. نعم، أنت لست بالأهمية التي تعتقدينها بالنسبة لهنّ، لم يقضين الليالي بالتفكير بك، ولا حتى ساعةً أو دقيقةً واحدة.

أنت عبارة عن نهاية البرنامج اليوميِّ الممل، قهوة صباحية مع الجيران يتم خلالها مناقشة أمورهن الشخصية وأمور نساء الحي والحي المجاور، اتخاذ القرار المصيري اليومي بخصوص طبيعة وجبة الغداء، التنظيف والقيام بالواجبات المنزلية والاعتناء بالأطفال، ومن ثم السهرة والتي ستكونين ضيفة إحدى فقراتها السريعة جداً، ضمن سلسلة اغتياب أو استفزاز أكبر قدر ممكن من الناس "دون قصد الأذى".

هن ما زلن بعيدات عن وسائل التسلية الحديثة، لا يقرأن الكتب، لا يرتدن ستاربكس، لا يشاهدن الأفلام، لا يتابعن صفحات آخر أخبار التكنولوجيا أو الكوميديا السوداء، ولسن معجبات ب"براد بيت" و"جورج كلوني" أو أي من المشاهير، وإليك الخبر الأسوأ، هن لا يقرأن تدويناتك!

ما الذي ستجنيه أنت إن انهلت على هذه المرأة البسيطة بدروس حقوق وحريات العالم الحديث وانعكاسات شيوع زواج القصر في البلدان النامية و"إتيكيت" التعامل؟

أنا وأنت وهي أحد مواضيع السهرة "المكررة والمملة"، فكما تعلمين، الآن ومع هذه التغيرات الجذرية والانفتاح أصبح بالإمكان العثور على أخبار وأحاديث أكثر تشويقاً!

لسن الهدف الصحيح؛ كل ما هنالك أننا من عوالمٍ مختلفة لأسباب عديدة ومتشعبة لسنا بوارد الحديث عنها الآن، هذه الفتاة التي تثير حفيظتك بأسئلتها السخيفة والمتكررة حول خصوصياتك، لعلها تحاول أن تتمنى لك الأفضل والحياة الأمثل من وجهة نظرها! حتى تستطيعي خوض تجربة الأنوثة كما فعلت!

أو لنقل أنها من النوع الآخر الذي يشعر بالانتصار والفوقية كونها تخطّت كل درجات النجاح، بعد الحصول على زوج وإنجاب دزينة أطفال، هل لديها شيء آخر لتفخر به؟ لو كانت تملك لما قامت بهذا الفعل صدقنني، وما الذي ستجنيه أنت إن انهلت على هذه المرأة البسيطة بدروس حقوق وحريات العالم الحديث وانعكاسات شيوع زواج القصر في البلدان النامية واتيكيت التعامل؟

ما الذي تستطيع تغييره الآن؟! وهل أنت الشخص المؤهل والمناسب للحديث معها عن هذا؟
لا أجزم ولست الخبيرة أو الشخص الأنسب للحديث عن الصح والأصح، لكنه من الواضح الآن، أننا نسلك الطريق الخاطئ في سبيل التغيير.

هذا كله إن افترضنا أنهم بالمجمل نساءاً ورجالاً يقرأون ما تكتبين، في الواقع نحن فقط من نقرأ، اللواتي نوافقك الرأي ونقرأ المدونات ونشاهد الأفلام ونتابع أخبار التكنولوجيا والبيئة وصفحات الكوميديا السوداء!

وبين هذا وذاك نبقى بانتظار أن تدشن "الفيمينزم" العربية فصلاً جديد بالدفاع عن "حقوق المرأة"!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.