شعار قسم مدونات

بين جبرانين

blogs - gebran
بين جبران خليل وجبران باسيل، نموذجان متضادان في السلوكيات والأفكار، الأول متحرر متقبل للآخر والثاني عنصري الفكر والهوية. فبين جبران خليل الذي دفعته عروبته إلى ترك بوسطن، والعودة إلى بيروت لتعلم العربية والتغني بأمجادها، وبين جبران باسيل الذي انتهز كل فرصة للتعبير عن عنصريته تجاه الآخر "فلسطين وسورية تحديداً"، ما يخفي في طيات ذلك، استعلاء وعداوة ضد العروبة ككل.

لم تعرف كتابات جبران أن تفرق بين شرقي مسلم وآخر مسيحي أو يهودي، بل أكدت على ضرورة وحدة الصف كسبيل لنيل الحرية.

تغنى جبران خليل بفلسطين قائلاً: "أي نجم أنارا فأقر العيون ثم توارى"، وأشاد بسورية وساندها في محنتها فكتب "سورية المسكينة"، وزاد على ذلك أكثر قائلاً "إنني سوري أو بالأحرى لبناني." جبرانان اثنان جمعتهما الجنسية وفرقتهما المبادئ.

فجبران خليل جبران كتب عن حبه واعتزازه بأرضه وأمجاده، لا أمجاد المسيح فحسب، بل كتب عن الإسلام وأضاف قائلاً "أحب مجد الإسلام وأخشى زواله"، هو شاعر عرف معنى الانتماء لأرضه وضحى من أجلها. لكن جبران الآخر لم يسلم من لسانه أحد، فهاجم من تَعتَر ولا صوت له ليثأر، فاللاجئ عند جبران باسيل ممنوع بالثلاث، ممنوع عليه أن يعمل، أن يدرس، أو أن يسهر. "للمحافظة على لبنانيتنا" هكذا قال، فهو حسبما يعتقد ممثل الأقليات كمسيحي وحامي الحمى.

تدارسنا صغاراً قصص جبران خليل جبران، تعلمنا منه أنه "مهما أقصتني الأيام، عن بلادي أظل شرقي الأخلاق سوري الأميال، لبناني العواطف.".. لكن جبران الوجه الآخر لجبران، هاجم وما زال يهاجم لاجئاً أجبر قصراً على مغادرة بلاده فلم تسلم منه فلسطين ولا سورية، فهدد بالتخوين حيناً مهاجماً المخيمات الفلسطينية، وبالتهديد والوعيد حيناً آخر.

علّمنا جبران خليل حب الآخر، فهو الذي تمنى أن يكون ضمن المدافعين عن سورية في حربها ضد الانكليز، فيقول "فؤادي يكتوي من أجل سورية، لقد كانت الأقدار قاسية عليها إلى أبلغ حد.". لم يكتفِ جبران خليل بذلك، بل زاد عليها أكثر فخاطب سورية (بلاد الشام) بكل أطيافها "أنت أخي بيسوع وموسى ومحمد"، لم تعرف كتابات جبران أن تفرق بين شرقي مسلم وآخر مسيحي أو يهودي، بل أكدت على ضرورة وحدة الصف كسبيل لنيل الحرية.

نحن نحتاج صوتك، قلمك، وثورتك، ضد محتل فكري جبان، يسعى للنيل من الانفتاح والتطور وقبول الآخر.

يخالفه بذلك جبران باسيل، فالتنوع لديه مرفوض، إلا إذا ناسب ذلك أهواؤه وميوله. فعلى سبيل التوضيح، حقوق المرأة مصونة حسب زعم جبران باسيل، إلا حقوق المرأة التي تتزوج بفلسطيني أو سوري، وتدوينته على موقع تويتر شاهدة عليه، فالمرأة إن فعلت فعلتها تلك، تصبح ممنوعة من حقوقها حسبما قال، فيعيد ويكرر ضمن مؤتمر أمام الجاليات اللبنانية في أمريكا "بلدنا لم يعد فيه لبنانيون"، ربما أسباب العنصرية هذه جينية، ما أدرانا.

أوصى جبران خليل أن يكتب على قبره "أنا حي مثلك، أنا واقف الآن إلى جانبك، فاغمض عينيك والتفت، تراني أمامك." كم نحتاج أن نسمع مثل هذه الكلمات اليوم، كلمات تصفع كل من يتآمر على عروبتنا، في زمن عمّ فيه السخط والألم والكراهية. كم نحتاج صوتك، قلمك وثورتك، ضد محتل فكري جبان، يسعى للنيل من الانفتاح والتطور وقبول الآخر.

لبنان، سورية، وفلسطين، كانت ولا تزال نبض الأمة العربية والإسلامية، بتنوعها دينياً وفكرياً وعرقياً، لم ولن ترضى أن تفرقها حدود أو مصالح شخصية فئوية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.