شعار قسم مدونات

الشعب السوري.. نموت لأجلكم، ونأسف لإزعاجكم

blogs - syria Eid
كنتُ أقرأ تلك العبارة المهذبة بجانب مشاريع الطُرق والتي تقول "نعمل لأجلكم، ونأسف لإزعاجكم" فيلفتُ نظري ذلك التفاني المصحوبُ بالاعتذار عن الإزعاج، ويعجبني أسلوبُها الذي يخفف وطأة ضيق الطريق وازدحامه على السائقين والمارة.

أما عن علاقة هذه العبارة التي تحمل معاني التفاني والتضحية والإخلاص بالشعبِ السوري، فوجدتُها تختصرُ معنى أن تجدَ من يقدّم أغلى ما يملك –بما فيه روحَه- ويتفانى في أصعبِ الظروف الجوية، ويمشي أعزلاً بأخطر المناطق للعيش على هذا الكوكب؛ ليُسعِف جريحاً، أو ينقل شهيداً، أو يحملَ غذاءً، أو يحفرَ نفقاً، أو يحمل سلاحاً بسيطاً للمحافظة على ما تبقى من أرواح إخوانه وكرامةِ أمته. نعم، إنهم يدافعون عن عرينِ أمةٍ غطّت في سباتٍ إلى أجل غير مسمى، ويذودون عن شعوبٍ يرادُ لها أن تتبعَ –بشكلٍ أو بآخر- لخطط وترتيبات خرجت من عمامة الوليّ الفقيه.

من لجأ إلى دولِ الجوارِ، يأسفون للتسبب بمشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فقد صاروا شماعة تعلق عليها الحكومات كل أسباب خيبتها وفشلها في إدارة شؤون بلادها.

هذا ليسَ تحليلاً بارداً، ولا تنبؤاً محتملاً، بل تصريحاتُ قادة الشرّ في بلاد مجوسِ العصر، فهذا وزيرُهم السابق قد صرّح في العامِ المنصرم عن سيطرةِ إيران على أربعِ عواصم عربية، فضلاً عن تصريحاتِ قائد حرسهم الثوري السابق من رغبته بإنشاء حرسٍ ثوري مماثل في بغداد تكون نواته الحشد الشعبي المجرم. عداكَ عن تهديداتهم المتكررة والمباشرة للسعودية، والتي زادت حدّتها ووقاحتها في الآونة الأخيرة. والأمرُ لم يعُد من التكهّنات، إنما هو واقعٌ حاصل جاثم بثِقَله على صدرِ المنطقة ككُل، يعرّف عن نفسِهِ بغطرسةِ الفُرسِ تارة، وبوقاحةِ العرب التابعين لهم تارةً أخرى، ولا يجابهُه ويدفعُه –بفاعلية- سوى المقاومةُ المستبسلةُ عند الشعبِ السوريّ، رغم شحّ دعمٍ يسدّ الحاجة ويكفي المؤونة ويرجّح الكفة.

إنهُم يسهرونَ دون أمنِنا، ويُذبحون دون سلامتِنا، ويدفنونَ أحياءً دون كرامتنا، وقد انتصبوا بأرواحِهم سداً عتيداً أمامَ طوفانِ الأطماع الإيرانية، والهيمنة الروسيّة، والتبعية الشرقية، فهم بكلّ ما تحملُه العبارةُ من قسوة ممزوجةٍ بإخلاصٍ وتضحيةٍ وجهاد، يموتون من أجلنا.

وهُم كذلك يأسفون لإزعاجكم أيها العرَب، ويعتذرون لتعكيرِ صفو حياتكم أيها المسلمون، يأسفون لإشغالِ نشراتِ أخباركُم بمشاهد موتهم، وصورِ تدميرِهم، ولونِ دمائهم، حتى صارت جلُّ مقاطعُ عذابِهم تعتذرُ برامجُ التشغيلِ ووسائل التواصل عن عرضها، وتحذفُها لأنها أقلّ من رقيّ الذوق، فالموتُ بوحشيةٍ بات علامةً مسجلةً باسم ذلك الشعبِ دون سواه، أما إذا جُرحَ إصبعٌ لذوي الدم الأزرق فإن سيول التعاطف الدولي والعربيّ تصبُّ في بحر مشاعر ذلك الجريح البريء وشعبِهِ وحكومته، بل إن جرحَه يستمطرُ الدمعَ ساخناً على الوجناتِ الحزينة، بينما كان قد تحجّر لسنواتٍ من الظلم والاضطهادِ والبطشِ بالشعبِ المجاور في تلكَ الوجنة الحساسة. إنهم يأسفون للمضاربةِ على مهرجاناتِ الغناء والألوان التي تشبعُ غرائزَكُم، والتي زادت مع وقعِ الموتِ عندهم، ويأسفونَ للتشويش على سهراتِكم واحتفالاتِكم ورحلاتكم.

حتى من حاول الهجرة منهم يأسفون لزيادة تسعيرةِ الركوبِ بين الموتِ غرقاً، أو الموتِ تجارةً بالأعضاء، أو الحياةِ بنسبةٍ ضئيلة. ويأسفون لزيادةِ أطماعِ الحيتانِ في البحار، والتي صارت لا تقبلُ أن تتغذى على أقل من لحمٍ بشري طازج. أما من لجأ إلى دولِ الجوارِ، فيأسفون أيضاً للتسببِ بجميع مشاكِلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمناخية. فصاروا شماعةً تعلّق عليها الحكوماتُ كلَّ أسبابِ خيبتِها وفشلِها في إدارة شؤون بلادها، وصاروا السبب الرئيسَ في تغيير التركيبة الاجتماعية لدول اللجوء، وكأنهم أتوا من قارّةٍ ثامنة ولا يربطهم بدول "الجوار" أي رابطٍ في اللغة والدين والقرابة.

يا للأسفِ على أمةٍ وصفَها نبيُّها بأنها " مَثلُ الجسدِ. إذا اشتكَى منه عضوٌ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى"، إننا نحتاجُ إلى إعادةِ برمجةٍ لاهتماماتنا، وإعادةِ ترتيبٍ لأولوياتِنا وإعادةِ تشغيل لضمائرنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.