شعار قسم مدونات

الجهل الذي يقضي على الثورات

blogs - syria Revo

بالتأكيد أن جميع ما آلت إليه الأمور اليوم لم يكن مما أراده الشعب السوري من خلال ثورته منتصف مارس عام 2011، فحجم الدمار الذي لحقَ بالمدن السوريّة رهيب؛ نُسِفت البنى التحتيّة، وارتفع عدد الشهداء الذي قارب المليون إنسان، وتحول نصف الشعب السوري إلى مهجرين، إضافة للدمار المعنوي والنفسي، والأهم من ذلك الدمار الفكري.

إلى الآن لم تحقّق الثورة أيّ هدفٍ من أهدافها التي خرجت من أجلها، فلم يسقط النظام ولم تتحقق العدالة، ولم نستنشق عبير الحريّة، بل تبدّدت جميع تلك الأحلام، وباتت اليوم بعيدة المنال عند النظر إلى موازين القوى المتصارعة (الثائرة والمدافعة على السلطة)، وشبح التقسيم الذي يلوح في الأفق.

بعد خمس سنوات من انطلاق ثورتنا لم نستطع بعد أن نبني قاعدة فكريّة جديدة غير التي نشأنا وتربّينا عليها منذ الصغر، ولم نستطع تقبّل الطرف الآخر ولا أفكاره.

ويهدد سوريا التي استيقظت على عدّة دويلات غير ثابتة الحدود، كما أرادها النظام ومساندوه واختصت القوى المتصارعة بمناطق رسمت حدودها كما تقتضي مصالحها، فهناك "سوريا المفيدة"، و"دولة الخلافة" ومناطق المعارضة السوريّة المنقسمة على نفسها، إضافة إلى المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكرديّة.

من أهم الأسباب التي أدّت إلى هذا الجهل الفكري، أن شريحة واسعة من الشعب تُعاني من هذا المرض، فنحن وبعد خمس سنوات من انطلاق ثورتنا لم نستطع بعد أن نبني قاعدة فكريّة جديدة غير التي نشأنا وتربّينا عليها منذ الصغر، ولم نستطع تقبّل الطرف الآخر ولا أفكاره، بل عمدنا إلى المزيد من التشدد والتعصب الفكريّ والمذهبي.

وإذا أمعنا النظر جيدا نلاحظ غياب شبه تام للأفكار الثورية التي بُنيت عليها الثورة السورية، شريحة قليلة جداً هي فقط من تبقت حاملة لهذه الأفكار، مقارنة بالمتشددين والمتعصبين الإسلاميين، الذين يحاولون طمس أفكار الثورة وإبعادها عن الساحة السورية والأمثلة على هؤلاء كثيرةٌ جداً.

فشل معظم الفصائل المقاتلة بإدارة الفوضى بعد سيطرتها على المناطق وانتزاعها من نظام الأسد، وعدم تمكّنهم من بناء مؤسسات جديدة ثورية تُحكم ضبط هذه المناطق والسيطرة عليها ومنعها من الانجرار نحو الفوضى، وافتعال معارك جانبية تؤدي إلى اقتتال الفصائل، والسبب الرئيس هو اختلاف الفكر، فإحدى الفصائل المتشددة المحسوبة على الثورة قد هاجمت عدّة فصائل مقاتلة أُخرى بحجة أنهم مرتدون ويجب محاربتهم.

مصالح الدول الكبرى هي سبب ثانٍ من أسباب هذه النتائج، فتدخل هذه الدول لأجل مصالحها كان له دورٌ كبير في تدمير البلاد وانجرارها إلى حالة دائمة من الفوضى، ودخولها في "حرب بالوكالة" بين بعضها البعض، واتخاذ عدّة فصائل من المعارضة وكلاء عنها في المعارك.

 

الثورة  السورية اليوم بحاجة إلى ثورة جديدة، تبدأ بالثورة على أنفسنا أولاً، ونسف أفكارنا المتعصبة.

وللأسف فإن ضُعف الدعم المتوفر لدى هذه الفصائل جعل منها ألعوبة بيد هذه الدول المتصارعة، تتبع لها بشكل مباشر، فاليوم لا تُفتح جبهة قتال دون أوامر أو خطط أو دوافع خارجيّة، واستمرار القتال على أي جبهة متعلق بالجهة التي طلبت فتحها وبدء القتال فيها.

التمثيل الهزيل والمثير للسخرية للثورة السورية في الخارج كان له دورٌ آخر في فشل العمل الثوري، فإلى الآن لا يوجد كيان سياسي يستطيع تمثيل الشعب السوري في الخارج، ونقل أفكاره وأهداف ثورته، وبناء جسم سياسي منظّم وقوي قادر على قيادة الثورة وتحديد مسار عملها كما يجب.

على من نثور؟ الثورة اليوم بحاجة إلى ثورة جديدة، تبدأ بالثورة على أنفسنا أولاً، ونسف أفكارنا المتعصبة كي نتمكن من استعادة الثورة وتصحيح مسارها نحو النجاح، تحقيقاً لمقولة لكي تستطيع أن تثور على غيرك يجب أن تثور على نفسك أولاً، وإنقاذ أفكار الثورة السورية قبل ضياعها واندثارها، والثورة على الحقد والكره وشهوة الانتقام والقتل.

ودون ثورة كهذه لن نستطيع أبداً إنشاء مؤسسات جديدة تحفظ حقوق المواطنين وتأمين الحماية لهم، وتقوم بضبط المناطق التي تم تحريرها سواء من نظام الأسد أو "داعش" أو غيرها.

أخيراً يجب على الإنسان أن يثور على الطغيان والتعصب داخل عقله قبل أن يثور عليها خارجه، وأن يمحيها من ذهنه، وألا يستنسخ بدائل مشوهة، كي لا تنتصر عليه في النهاية كما حصل مع شعبنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.